105

وبعد أن تبين فيما مضى خطورة العشق وعظيم جنايته_نصل إلى بيت القصيد في هذه المسألة، ألا وهي التوبة من العشق، وكيفية ذلك.

فعلى من وقع في العشق أن يتوب إلى الله_عز وجل_سواء كان عاشقا، أو معشوقا، أو معينا على ذلك.

فتوبة العاشق تكون بترك العشق، والعزم والمجاهدة على ذلك، وبألا يظهر أمره، ولا من ابتلي بعشقه؛ فلا يذكره، ولا يشبب به، ولا يسير إليه، ولا يمد طرفه إليه، وأن يقطع الصلات المذكرة به، وأن يأخذ بالأسباب المعينة على ذلك، وأن يصبر على ما يلاقيه خصوصا في بداية أمره.

وعلى المعشوق أن يتوب إلى الله إن كان مشاركا، أو متسببا في غواية العاشق، فيتوب إلى الله من استمالة المعشوق والتزين له، والتحبب إليه، واللقاء به، ومحادثته، ومراسلته.

وعلى من أعان على العشق بالتقريب بين العاشقين بالباطل أن يتوب إلى الله، وأن يدع ما كان يقوم به، وأن يعلم أن ذلك من الإعانة على الإثم والعدوان، وأنه بذلك يذكي أوار العشق، ويسعر نيرانه؛ فهو يفسد أكثر مما يصلح، وسعيه مأزور غير مشكور؛ فعمله ليس من عمل الخير، ولا من ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما.

بل إن هذه المفسدة تجر إلى هلاك القلب، وفساد الدين، وأي مفسدة أعظم من هذه؟

وغاية ما يقدر من مفسدة الإمساك عن ذلك سقم الجسد أو الموت؛ تفاديا عن التعرض للمحرم(289).

وإلا فالغالب أن العاقبة تكون نجاة وسلامة.

=الأسباب المعينة على ترك العشق+:

فمع عظم شأن العشق، وصعوبة الخلاص منه إلا أن ذلك ليس متعذرا ولا مستحيلا؛ فلكل داء دواء، ولكن الدواء لا ينفع إلا إذا صادف محلا قابلا؛ فإذا رام المبتلى بهذا الداء الشفاء، وسعى إليه سعيه_وفق لما يريد، وأعين على بلوغ المقصود.

وإلا استمر على بلائه، بل ربما زاد شقاؤه.

يقول ابن الجوزي×: =إنما يوصف الدواء لمن يقبل؛ فأما المخلط فإن الدواء يضيع عنده+(290).

Bogga 105