تتمة مصابيح أبي العباس الحسني
تممه وجمعه الشيخ علي بن بلال الآملي الزيدي مولى السيدين الإمامين المؤيد بالله وأبي طالب عليهما السلام
(من أعلام القرن الرابع الهجري)
Bogga 369
[مقدمة المؤلف]
قال أبو الحسن علي بن بلال رحمه الله: كان الشريف أبو العباس رحمه الله تعالى ونضر وجهه قد بلغ في تصنيف هذا الكتاب إلى هذا الموضع، فحال بينه وبين إتمامه قضاء الله الذي لامفر منه ولا مهرب، فسألنا بعض أصحابنا أيده الله بطاعته إتمامه على حسب ما ابتدأه، فأجبته إلى ملتمسه وهذا حين ابتدائه.
Bogga 370
[تابع ترجمة الإمام يحيى بن زيد]
[خروج الإمام يحيى بن زيد عليهما السلام إلى خراسان]
[1] حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (رحمه الله) بإسناده عن ابن عياش قال: خرج يحيى بن زيد عليهما السلام إلى خراسان في عدة من أصحاب أبيه عليه السلام فلم يزل يتنقل في كورها حتى خرج في زمان الوليد بن يزيد ، قال: كان قد أقام بمرو حينا وبسرخس.
[2] حدثنا أبو العباس رحمه الله أيضا بإسناده عن أبي مخنف لوط بن يحيى قال: لما قتل زيد بن علي عليه السلام خرج ابنه يحيى بن زيد إلى الري، فأقام بها غير كثير، ثم شخص فأتى قومس، فأقام بها يسيرا، ثم سار فأتى سرخس، فنزل بزيد بن عمرو وأقام عنده سته أشهر، ثم شخص فأتى أبرشهر، فنزل بزياد بن زرارة العامري، فأقام عنده أشهرا، ثم شخص فأتى بلخا فنزل بالحريش بن عمرو بن داود البكري فأقام عنده، فلم يزل عند الحريش حتى هلك هشام بن عبد الملك بن مروان (غضب الله عليه) وولي الوليد بن يزيد (غضب الله عليه).
[3] حدثنا أبو العباس بإسناده عن أبي مخنف، قال أبو مخنف: وحدثني عبيدة بن كلثوم، قال: وأقام يحيى بن زيد بن علي عليهم السلام عند الحريش حتى هلك هشام بن عبد الملك وولي الوليد بن يزيد.
Bogga 371
[موقف والي خراسان من يحيى بعد قدومه]
قال: وكتب يوسف بن عمر إلى نصر بن سيار - وهو يومئذ على خراسان، يخبره بمسير يحيى بن زيد عليهما السلام إلى خراسان، فبعث نصر بن سيار إلى عقيل بن معقل الليثي يأمره "بأخذ" الحريش فيزهق نفسه أو يدفع إليه يحيى بن زيد عليه السلام.
فبعث عقيل إلى الحريش رحمه الله تعالى فسأله عن يحيى، فقال: لا علم لي به. فجلده ستمائة سوط، فقال له الحريش رحمه الله "والله" لو كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه، فاقض ما أنت قاض، فقال قريش بن الحريش لما رأى مافعل عقيل بأبيه وخاف عليه القتل: لا تقتل أبي وأنا أدلك على طلبك، فأرسل معه رسلا فدلهم على يحيى بن زيد وهو في جوف بيت، فأخذوا معه يزيد بن عمرو والفضل مولى عبد القيس، كان أقبل معه من الكوفة - فأتي به نصر بن سيار فحبسه، وكتب إلى يوسف بن عمر يخبره الخبر.
فكتب الوليد إلى نصر بن سيار يأمره أن يؤمنه ويخلي سبيله وسبيل من معه، فدعا نصر بن سيار بيحيى بن زيد فأمره بتقوى الله وحذره من الفتنة، ووصله بألف درهم، وحمله على بغلين، وأمره أن يلحق بالوليد بن يزيد، فأقبل يحيى بن زيد عليه السلام ومن معه حتى نزل بسرخس فأقام بها وعليها عبد الله بن قيس فكتب إليه نصر بن سيار يأمره بإشخاصه عنها، وكتب إلى الحريش بن يزيد التميمي؛ وكان من أشراف تميم؛ وكان عامله على طوس "يأمره" إذا مر به يحيى بن زيد عليه السلام أن يشخصه، ولا يذره يقيم بطوس، وأن لا يفارقه حتى يؤديه إلى عمرو بن زرارة، وكان عامله على أبرشهر، فأشخصه عبد الله بن قيس من سرخس، فأقبل حتى نزل بطوس، فأمره الحريش بن يزيد بالارتحال "منها"، ووكل به سرحان بن فروخ بن مجاهد بن بلعاء العنبري؛ وكان على مسلحته، وأمره أن لا يفارقه حتى يدفعه إلى عمرو بن زرارة.
Bogga 372
فلما بلغ عمرو بن زرارة خبره كتب إلى نصر بن سيار يخبره الخبر، فكتب نصر بن سيار إلى عبد الله بن قيس وإلى الحريش بن يزيد يأمرهما باللحاق بعمرو بن زرارة، فإذا اجتمعوا نصبوا الحرب ليحيى بن زيد عليه السلام وعمر وبن زرارة عليهم.
Bogga 373
[قتال يحيى بن زيد عليه السلام واستشهاده]
فسارا في أصحابهما حتى قدما على عمرو بن زرارة، فاجتمعوا ونصبوا الحرب ليحيى بن زيد عليه السلام وهم عشرة آلاف مقاتل، ويحيى بن زيد عليه السلام في سبعين رجلا، فقاتلهم وهزمهم، وقتل عمرو بن زرارة وأصاب يحيى وأصحابه دوابا كثيرة.
ثم أقبل يحيى بن زيد عليه السلام حتى مر بهراة وعليها مغلس بن زياد العامري فلم يعرض واحد منهما لصاحبه، وسار يحيى بن زيد عليه السلام فقطع هراة، وبلغ الخبر نصر بن سيار، فوجه سلم بن أحوز التميمي (غضب الله عليه) في طلبه، فقدم هراة حيث ارتحل يحيى بن زيد عليه السلام منها، فتبعه فلحق به بالجوزجان بقرية يقال لها: أرعوى وعليها حماد بن عمرو السعدي.
قال: ولحق بيحيى بن زيد عليه السلام رجل من بني حنيفة يقال له العجارم فقتل معه، ولحق به الحسحاس بن المتمارس الأزدي، فقطع نصر بن سيار يديه ورجليه بعد ذلك.
ثم التقوا وقد جعل سلم بن أحوز على ميمنته سورة بن محمد بن عزيز الكندي، وعلىميسرته حماد بن عمرو السعدي، قال: فاقتتل الفريقان قتالا شديدا.
قال: ثم إن رجلا من بني عنزة يقال له: عيسى مولى لعيسى بن سليمان، رمى يحيى بن زيد عليه السلام بنشابة وقعت في جبهته فصرعته، وأنكسر أصحابه وقتلوا جميعا.
قال: ومر سورة بن محمد بن عزيز الكندي بيحيى بن زيد عليه السلام صريعا فاحتز رأسه، وأخذ عيسى العنزي سلبه وغلبه سورة على الرأس، فانطلق به إلى نصر بن سيار.
[4] حدثنا أبو العباس بإسناده عن سلم الحذاء ، قال: كنا مع يحيى بن زيد عليه السلام والرضوان بخراسان قال: فقدمنا ما نحن إلا سبعون أو ثمانون رجلا يوم لقي عمرو بن زرارة.
قال: وكان لقيه بخراسان.
قال: فقدمنا يحيى بن زيد في مقدمته، ونحن سبعة عشر فارسا أو ثمانية عشر.
قال: فلقينا عمرو بن زرارة في أربعة آلاف أو خمسة آلاف، قال: فتلقانا حرب بن محربة أبو نصر بن حرب.
Bogga 374
قال: فكأني أنظر إلى شيخ ضخم قد جاء براية فركزها، ثم نادى: يا أيها الناس، إن الأمير عمرو بن زرارة يدعوكم إلى الأمان وهذه راية الأمان، فمن جاءه فهو آمن.
قال: وكنت في آخرهم فأضرط به الذي كان بين أيدينا.
قال: فوالله ما أعلم إلا أني قد سمعتها.
قال: ثم لحقنا يحيى بن زيد عليه السلام وأرسل إلى عمرو بن زرارة أن انصرف عني فإني لست أريدك ولا أريد شيئا من عملك، وإنما أريد بلخا وناحيتها ولا أريد مروا فتنح عني.
فقال عمرو بن زرارة: لا والله لايكون ذلك أبدا إلا أن تعطي بيدك وتدخل في الأمان، وإلا قاتلتك.
قال: فكأني أنظر إلى يحيى عليه السلام وأسمع صوته من خلفي وهو ينادي: الجنة.. الجنة.. يامعشر المسلمين الحقوا بسلفكم الشهداء المرزوقين (رحمكم الله).
قال: ثم تحمل عليهم حملة رجل واحد فانكشفوا.
قال: واستقبلنا عمرو بن زرارة يصيح بأصحابه. قال: فما كانت إلا إياها حتى قتل عمرو بن زرارة، وانكشف أصحابه وأخذوا الطريق حتى أتى يحيى بن زيد عليه السلام الجوزجان ، ثم لحق بعد قوم من الزيدية بيحيى عليه السلام، قال: وكانوا قريبا من خمسين ومائة رجل.
Bogga 375
[حثه (ع) لأصحابه على الجهاد]
[5] حدثنا أبو العباس عن ابن محمد التنوخي، بإسناده عن سلمة بن عامر الهمداني، قال: لما وافق سلم بن أحوز (غضب الله عليه) يحيى بن زيد عليهما السلام أقبل يحيى على أصحابه، فقال: يا عباد الله، إن الأجل محضره الموت، وإن الموت طالب حثيث لا يفوته الهارب، ولا يعجزه المقيم، فاقدموا (رحمكم الله) على عدوكم والحقوا بسلفكم، الجنة.. الجنة، اقدموا ولا تنكلوا، فإنه لا شرف أشرف من الشهادة، فإن أشرف الموت قتل في سبيل الله، فلتقر بالشهادة أعينكم، ولتنشرح للقاء الله صدوركم، ثم نهد إلى القوم فكان والله أرغب أصحابه في القتل في سبيل الله جل ثناؤه.
Bogga 376
[استشهاد يحيى بن زيد عليهما السلام]
[6] حدثنا أبو العباس رحمه الله، بإسناده عن أبي القاسم، وعن جابر بن عون قالا: قتل يحيى بن زيد بن علي عليهم السلام ، بالجوزجان، قتله سلم بن أحوز (غضب الله عليه) وكان مع يحيى بن زيد عليهما السلام يومئذ مائة وخمسون رجلا، وكان مع سلم بن أحوز عشرة آلاف رجل، فقتل يحيى بن زيد عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.
قال جابر بن عون : استشهد يحيى بن زيد عليه السلام يوم الجمعة بعد الصلاة، فأخذ رأسه فبعث به إلى نصر بن سيار، وبعث به نصر إلى الوليد بن يزيد، وصلب يحيى عليه السلام على باب مدينة الجوزجان، بقرية يقال لها أرعوى، قال: وذلك في سنة خمس وعشرين ومائة.
قال جابر: فلم يزل يحيى مصلوبا حتى ظهرت المسودة بخراسان، فأتوه فأنزلوه من خشبته فغسلوه وحنطوه وكفنوه ودفنوه، وولي ذلك منه خالد بن إبراهيم بن داود البكري وحازم بن خزيمة التميمي وعيسى بن ماهان.
قال: وكان أبو مسلم يتتبع قتلة يحيى بن زيد بن علي عليهم السلام فقيل له: إن أردت ذلك فعليك بالديوان، فدعا أبو مسلم بالجرائد، فنظر من شهد قتل يحيى بن زيد عليه السلام فلم يدع أحدا منهم إلا قتله، وأبو مسلم هو صاحب الدولة الذي كان زوال ملك بني أمية على يديه.
Bogga 377
[(11) الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية)] (93 - 145 ه / 712 - 762 م)
Bogga 378
[فضله وزهده وشجاعته (ع)]
[7] حدثنا أبو العباس رحمه الله بإسناده عن غالب بن حفص الأسدي، قال: سمعت عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام يقول: لو أن الله جل ثناؤه أخبرنا في كتابه أنه يكون من بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي لقلنا: إن ذلك محمد بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه.
[8] حدثنا أبو العباس بإسناده عن أبي خالد، قال: كنت أنا والقاسم بن مسلم السلمي «نسير» حتى انتهينا إلى أرض ينبع ، ونحن نريد محمد بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه فهجمنا عليه وعليه كساءان قد اتزر بواحد والتحف بالآخر.
فقال له القاسم: جعلت فداءك يا أبا عبد الله، إن الناس يقولون: إن صاحبكم حدث السن ليس له ذلك الفقه.
قال: فرأيته تناول سوطا من الأرض ثم قال: يا قاسم بن مسلم، ما يسرني أن الأمة اجتمعت علي فكانت كعلاقة سوطي هذا، وأني سئلت عن باب حلال أو حرام لم آتي بالمخرج منه، يا قاسم بن مسلم إن أضل الناس من ادعى أمر هذه الأمة ثم يسأل عن باب حلال أو حرام لم يأت بالمخرج منه.
وكان محمد بن عبد الله أيدا قويا، إذا صعد المنبر يتقعقع عنه المنبر، وأنه أقل صخرة إلى منكبيه فحزروها ألف رطل.
[9] حدثنا أبو العباس بإسناده عن علي بن عثمان قال:حدثني أبي، قال: كان من قصة محمد بن عبد الله بن الحسن عليه السلام أنه لما ولد سماه أبوه محمدا [إذ] تباشربه آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، موافقا اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسم أبيه فأملوه ورجوه وسروا به ووقعت عليه المحبة، وجعلوا يتذاكرونه في المجالس، فقال في ذلك شاعرهم:
ليهنكم المولود من آل أحمد .... إمام هدى هادي الطريقة مهتدي
يسوم أمي الذل من بعد عزها .... وآل بني العاص الطريد المشرد
فيقتلهم قتلا ذريعا وهذه .... بشارة جدية علي وأحمد
هما أنبآنا أن ذلك كائن .... برغم أنوف من عداة وحسد
Bogga 379
أمي فصبرا طال ما اصطبرت لكم .... بنو هاشم آل النبي محمد فشاع ذلك من أمر محمد بن عبد الله عليه السلام وسر به آل محمد، ونشأ مأمولا في حالاته، محمودا في منشئه، فهيما في رأيه، لبيبا في عقله، مكرما في أهله، معظما في الناس، وأبوه عليه السلام حي، واستقام حاله وحديثه وسموه المهدي فكان لا يمر بملأ من الناس إلا أظهروا له التعظيم والإكرام والتبجيل، وفضله عبد الله بن الحسن وأجله.
وجعل زوار المدينة من أهل العراق يأتونه للنظر إليه، ويتحدثون فيه بأمره، فقال فيه بعض شعرائهم:
إن المهدي قام لنا وفينا .... أتانا الخير وارتفع البلاء
وقام به عمود الدين حقا .... وولى الجور وانكشف الغطاء
بنفسي يثرب من دار هاد .... عليها من شواهده بهاء
نرى عز البهاء عليه فيها .... ونور الحق يسطع والضياء
Bogga 380
[خروجه (ع)]
ولما ظهر محمد بن عبد الله يدعو [إلى نفسه] أقام منتظرا، وبايعه أهل بيته الأكابر والأصاغر، والهاشميون كلهم، وكان أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ممن يعظمه من قبل أن يكون الأمر منه ما كان من إفضاء الأمر والدولة «إليه»، وتداعي الناس والقبائل وأهل الشرف واستخلف أخاه إبراهيم بن عبد الله عليه السلام وجعله على من هو دونه من الهاشميين واتسق الأمر وتلاءمت الدعوة، وكان يكاتب الناس، فكتب كتابا إليهم يدعوهم إلى نصرة الحق. قال: وهذه نسخة الكتاب على اختصاره.
Bogga 381
[مكاتباته ودعوته]
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن الله جل ثناؤه جعل في كل زمان خيرة، ومن كل خيرة منتجبا، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فلم تزل الخيرة من خلقه تتناسخ أحوالا بعد أحوال حتى كان منها صفوة الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد المرسلين، وخاتم النبيين؛ اختصه الله بكرامته وأخرجه من خير خلقه قرنا فقرنا، وحالا بعد حال محفوظا مجنبا سوء الولادات، متسقا بأكرم الآباء والأمهات، فلو أن أحدنا في منزلته، وعند الله في مثل حاله لاصطفاه ولأخرجه من مخرجه تبارك وتعالى، ولكن نظر إليه برحمته، واختاره لرسالته، واستحفطه مكنون حكمته وأرسله بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه «وقائدا إلى الله» وسراجا منيرا.
ثم قبضه الله إليه حميدا صلى الله عليه وآله وسلم ، فخلف كتابه الذي هو هدي واهتداء، وأمر بالعمل بمافيه، وقد نجم الجور وخولف الكتاب الذي به هدي واهتداء، وأميتت السنة، وأحييت البدعة، ونحن ندعوكم أيها الناس إلى: الحكم بكتاب الله، وإلى العمل بما فيه، وإلى إنكار المنكر وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونستعينكم على ما أمر الله به في كتابه، من المعاونة على البر والتقوى.
Bogga 382
واعلموا أيها الناس أنكم غير مصيبي الرشد بخلافكم لذرية نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ، ووضعكم الأمر في غير محله، فعازت لأحدكم بعد جماحها، وتفرقت جماعتكم بعد اتساقها، وشاركتم الظالمين في أوزارها لترككم التغيير على أمرائها، ودفع الحق من الأمر إلى أوليائه، فلا سهمنا وفيناه، ولا تراثنا أعطيناه، وما زال يولد مولودنا في الخوف، وينشأ ناشئنا في القهر ويموت ميتنا بالذل والقهر والقتل بمنزلة بني اسرائيل، تذبح أبناؤهم وتستحيا نساؤهم، ويولد مولودهم في المخافة، وينشأ ناشئهم في العبودية، وإنما فخرت قريش على سائر الأحياء بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ودانت العجم للعرب بادعائها لحقنا، والفخر بأبينا صلى الله عليه وآله وسلم ثم منعنا حقه، ودفعنا عن مقامه، أما والله لو رجوا التمكين في البلاد والظهور على الأديان، وتناول الملك بخلاف إظهار التوحيد، وبخلاف الدعوة إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم والإذعان منهم بالقرآن، لاتخذوا أساطير مختلقة بأهوائهم، وعبدوا الأوثان بآرائهم، ولاتخذوا من أنفسهم زعيما.
فاتقوا الله عباد الله، وأجيبوا إلى الحق، وكونوا عليه أعوانا لمن دعاكم إليه، ولا تأخذوا بسنة بني إسرائل إذكذبوا أنبياءهم، وقتلوا ذريتهم على أنها سنة كسنة تركبونها وعروة بعد عروة تنكثونها وقد قال الله جل ثناؤه في كتابه: ?لتركبن طبقا عن طبق?[الانشقاق:19].
فاعرفوا فضل ما هداكم الله به وتمسكوا بوثائقه، واعتصموا بعروته من قبل هرج الأهواء، واختلاف الأحزاب، وتنكب الصواب، فإن كتابي حجة على من بلغه، ورحمة على من قبله. والسلام.
[10] حدثنا أبو العباس رحمه الله بإسناده عن خالد بن مختار الثمالي قال الحسن بن الحسين: وكان خالد بن مختار خرج مع إبراهيم بن عبد الله وذهب بصره.
قال خالد بن مختار: جاء كتاب من محمد بن عبد الله بن الحسن إلى خواص أصحابه، وأمرهم أن يقرؤوه وهو:
Bogga 383
[كتابه إلى خواص أصحابه]
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد:
فإن الله جل ثناؤه بعظمته ألزم نفسه علم الغيوب عن خلقه لعلمه أنها لا تصلح إلا له، ثم أنشأ خلقه بلا عون، ودبر أمره بلا ظهير، ابتدع ما أنشأ على غير مثال من معبود كان قبله، ثم اختار لتفضيله بعلمه من ملائكته ورسله من ائتمنه على أسرار غيوبه، لم تلاحظه في الملكوت عين ناظرة، ولا يد لامسة، متفرد بما دبر، ذلكم الله رب العالمين .
إلى أن أخرج محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من خير نسله ذوي العزم من الرسل تناسخه دوارج الأصلاب، وتحفه طواهر الأرحام، مبرأ من كل عهر، مطهرا من كل سفاح، تؤديه زواكي الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، حتى استخرجه خير جنين، وأصحبه خير قرين، أرسله بنور الضياء إلى أهل الظلم والكفر.
وقد نسكوا وذبحوا للأصنام واستقسموا بالأزلام، مترددون في حيرة الضلالة، كلما ازدادوا «في ضلالهم جهلا» وفي عبادتهم جهدا ازدادوا من الله بعدا، حتى تصرمت عنهم مدة البلاء بقيام محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيهم يدعوهم إلى النجاة، ويضمن لهم الظفر في الدنيا الماضية وحسن المثوبة في الآخرة، ويخبرهم عن القرون الماضيةكيف نجا من نجا منهم بالاستجابة لرسلهم، وكيف بعث العذاب على من تولى منهم، وسألهم أن ينظروا إلى آثارهم وديارهم خاوية على عروشها، كيف تركوها وما فيها؟ فقال: يا قوم احذروا مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود، فأبوا إلا التكذيب بالتوحيد، واستعظموا أن يجعلوا الآلهة إلها واحدا.
Bogga 384
فلما أمر أن يجاهد بمن أطاعه من عصاه وكبر عليه مجاهدة الكثير من المشركين بالقليل من المسلمين ضمن الله له عاقبة العلو والظفر، وشد له أزره وأعانه بابن عمه وابن صنو أبيه، وشريكه في نسبته ، ومؤنسه في وحدته من الشجرة المباركة فرعا هما، دعا فاستجاب له على ضراعة الضرع الصغير من سنه، حتى سيط الإسلام بلحمه ودمه، ولم يخشع بين يدي لاتهم وعزاهم إذ هي تدعى، وغيره خاشع لها عاكف عليها، هي لهم منسك، إلى أن اشتدت على التوحيد أعظمه، وعظمت في أنحاء الخير هممه، إليه يستريح رسول الله بأسراره، فكان هو عليه السلام الصديق الأكبر، الفارس المشتهر، وسابق العرب إلى الغاية، ليس أمامه فيها إلا الرسول المرسل، بالكتاب المنزل يصلي بصلاته ويتلو معه آياته، تفتح لعملهما أبواب السماوات السبع، يهوي بجبهته مع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى القبلة المجهولة عند قومه، ليست تنحى أصبع يمدها متوسل إلى الله جل ثناؤه غير أصبعه، ولا ظهر يحنو لله في طاعته قبل ظهره إلا ظهر نبيه، إن ساماهم بشرفه في أوليته سبق عليهم بفارع غصون مجده، وعواطف شرف من قام عنه من إمهاته، ثم نشأ في حجر من نشأ، يؤدبه بالكتاب إذ غيره يباكر عبادة اللات والعزى، شهد له القلم الجاري بعمله في حال الفردانية، إذ هو يسارق الصلوات أهله إذ لا قلم جار ولا شهيد على مطيع، ولا عاص غيره يكانف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مواطنه، ويستريح إليه بأسراره، ويستغديه لهممه، إذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المستوحش من جماعتهم، والخائف على دمه منهم، أين زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم زال معه، وإن غال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر وقاه بنفسه، فمن يساويه وهذه حاله -صلوات الله عليه- والحال الأخرى حال القوم في كفرهم بربهم وإنكارهم رسوله، واختيارهم عبادة أوثانهم، وعلي بن أبي طالب يعظم ماصغروا، ويكرم ما أهانوا حتى دخل من دخل في دين الله رغبة أو رهبة، ولما طال على رسول الله تكذيب قومه إياه استشار عليا صلوات الله عليه فقال له: ((ما ترى؟ قال: يارسول، ها سيفي وكان بالضرب به دونه جوادا، قال رسول الله: ((إني لم أؤمر بالسيف، فنم على فراشي وقي بنفسك نفسي حتى أخرج فإني قد أمرت بذلك)) فنام على فراشه، ووقاه بنفسه باذلا لمهجته، واثقا بأن الله تعالى غير خاذله.
ومن يدعى الفضل عليه إما راصد لرسول الله أو معين عليه، أو جالس عنه، همهم في ذبائح النعم على الأصنام، والاستقسام بالأزلام، وأقلام الملائكة تصعد بعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وبعمل علي عليه السلام فلما استقرت برسول الله الدار وحل في الأنصار، أمره الله جل ثناؤه أن يشهر سيف التوحيد وضمن له التأييد، فجاءت حال المنابذة، وتدانت الزحوف أيد الله جل ثناؤه رسوله بعلي بن أبي طالب، فقام إليهم وله خطرات بسيفه ذي الفقار، فسألوه عن النسبة، فانتهى إلى محل اليفاع الذي لا لأحد عنه مرغب، وأوجل الله قلوبهم من مخافته حتى اجتنبوا ناحيته، فما زالت به تلك المشاهد مع رسول الله حتى سئمته رجال قريش، وحتى تشاغلت نساؤهم بالمآتم، فكم من باكية أو داعية أو موتور قد احتشى عليه بفقدانه أباه أو أخاه أو عمه أو خاله أو حميمه، يخوض مهاول الغمرات بين أسنة الرماح، لا يثنيه عن نصرة رسول الله ثنوة حداثة، ولا ضن بمهجته حتى استولى على الفضل في الجهاد في سبيل الله، وكان أحب الأعمال إلى الله، وزرع إبليس -عدو الله- بغضه في قلوبهم، فلاحظوه بالنظر الشزر، وكسروا دونه حواجبهم، وراشوا بالقول فيه والطعن عليه، فلم يزده الله بقولهم فيه إلا ارتفاعا، كلما نالوا منه نزل القرآن بجميل الثناء عليه في آي كثير من كتاب الله، قد غمهم مكانه في المصاحف، ومن قبل ما أثبته الله جل ثناؤه في وحي الزبور أنه وصي الأوصياء، وأول من فتح بعمله أبواب السماء.
Bogga 386
فلما قبض رسول الله كان أولاهم بمقامه، ليس لأحد مثله في نصرته لرسول الله وأخ ليس لهم مثله له جناحان يطير بهما في الجنة، وعم له هو سيد الشهداء في جميع الأمم، وابنان هما سيدا شباب أهل الجنة، وله سيدة نساء العالمين «زوجة».
فلما قبض رسول الله أخذ أهله في جهازه إلى ربه، واختلفوا فيمن يلي الأمر من بعده، فقالت الأنصار: نحن الذين آوينا ونصرنا.
فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فأتى أبا بكر وهو بباب رسول الله ينتظر جهازهم له والصلاة عليه، فقال له: إنك لغافل عما أسست الأنصار وأجمعوا عليه من الصفقة على يد سعد بن عبادة.
ثم تناول عمر يده فجذبه فأقامه حتى انتهى إلى سعد وقد عكفوا عليه وازدحموا حوله، وتكلم أبو بكر فقال: يا معشر الأنصار أنتم الجيران والإخوان، وقد سمعتم قول رسول الله: ((إن هذا الأمر لا يصلح إلا في قريش))، وقد علمت العرب أنا أوسطها دارا، وأصبحها وجوها وأبسطها ألسنة، وأن العرب لا تستقيم إلا علينا )).
فقال عمر: هات يدك يا أبا بكر أبا يعك، فمد أبو بكر يده فضرب عليها، وضرب عليها بشير بن سعد، ثم ثلث أبو عبيدة بن الجراح، ثم تتابعت الأنصار.
Bogga 387
فبلغ ذلك عليا عليه السلام فشغله المصاب برسول الله عن القول لهم في ذلك، واغتنموا تشاغله برسول الله فنظر علي لدين الله قبل نظره لنفسه، فوجد حقه لا ينال إلا بالسيف المشهور، وتذكر ما هم به من حديث عهد بجاهلية، فكره أن يضرب بعضهم ببعض، فيكون في ذلك ترك الألفة، فأوصى بها أبو بكر إلى عمر عن غير شورى، فقام بها عمر وعمل في الولاية بغير عمل صاحبه، وليس بيده منها عهد من رسول الله ولا تأويل من كتاب الله، إلا رأي توخاه هو فيه مفارق لرأي صاحبه، فجعلها بين ستة نفر، ووضع عليهم أمناء أمرهم إن هم اختلفوا أن يقتلوا الأقل من الفئتين، وصغروا من أمرهم ما عظم الله، وصاروا سببا لولاة السوء وسدت عليهم أبواب التوبة، واشتملت عليهم النار بما فيها، والله جل ثناؤه بالمرصاد، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[11] حدثنا أبو العباس، بإسناده عن أبي خالد الواسطي، قال: لقيت محمد بن عبد الله بن الحسن صلوات الله عليه قبل ظهوره، فقلت له: يا سيدي متى يكون هذا الأمر؟
فقال لي: وما يسرك منه يا أبا خالد؟
فقلت له: يا سيدي وكيف لا أسر بأمر يخزي الله به أعداءه ويظهر به أولياءه.
فقال لي: يا أبا خالد، أنا خارج وأنا مقتول، والله ما يسرني أن الدنيا بأسرها لي عوضا من جهادهم، يا أبا خالد، إن امرأ مؤمنا لا يمسي حزينا ولا يصبح حزينا مما يعاني من أعمالهم إنه لمغبون مفتون.
قال: قلت: ياسيدي والله إن المؤمن لكذلك ولكن كيف بنا ونحن مقهورون مستضعفون خائفون، لانستطيع لهم تغييرا؟
فقال: يا أبا خالد، إذا كنتم كذلك فلا تكونوا لهم جمعا وانفروا من أرضهم.
Bogga 388
[12] حدثنا أبو العباس قال: حدثنا عيسى بن محمد «العلوي »، قال حدثنا علي بن الحسين المقري عن عمر والد يحيى بن عمر عن الحسن بن يحيى قال: أخبرني موسى بن جعفر أن موسى بن جعفر أن محمد بن علي بن جعفر، أخبره بحديث محمد بن عبد الله بن الحسن قال: لما بلغ محمد بن عبد الله وفاة أبيه وأهل بيته، وكان متغيبا أقبل في خمسين ومائتي رجل حتى وقف على سجن المدينة فأرسل من فيه وشعارهم: أحد أحد، وأقبل حتى دخل المسجد، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:أما بعد، يا أهل المدينة فإني والله ما خرجت فيكم وبين أظهركم تعززا، ولغيركم كان أعز لي منكم، ولكني حبوتكم بنفسي مع ما أنه لم يبق مصر من الأمصار يعبد الله فيه إلا وقد أخذت لي فيه البيعة، ولا بقي أحد من شرق مع غرب إلا وقد أتتني بيعته، وإن أحق الناس بالقيام بهذا الأمر لأبناء المهاجرين والأنصار مع ما قد علمتم من سوء مذهب هذا الطاغية الذي قد بلغ في عتوه وطغيانه أن اتخذ لنفسه بيتا وبوبه بالذهب، معاندة لله وتصغيرا لبيته الحرام مع ما سفك من الدماء، وتناول من الأخيار يعذبهم بأنواع العذاب.
اللهم إنهم قد أحلوا حرامك وحرموا حلالك وأخافوا من أمنت، وأمنوا من أخفت، وقصدوا لعترة نبيك اللهم وكما أحصيتهم عددا فاقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا.
[13] [وحدثنا السيد أبو العباس قال:] قال أبو زيد: وأخبرنا عن عبد الله بن الحسن فيما رواه لنا أحمد بن محمد بن الحسن عن رجالة، قال: أتيناه وهو في المحمل وقد حمله أبو جعفر، فقلنا له: يابن رسول الله محمد ابنك المهدي، فقال: يخرج محمد من هاهنا؛ وأشار إلى المدينة؛ فيكون كلحس الثور أنفه حتى يقتل، ثم يخرج إبراهيم من هاهنا فيكون كلحسة الثور أنفه «حتى يقتل» ولكن إذا سمعتم بالمأثور قد خرج بخراسان فهو صاحبكم.
Bogga 389