Tatimmat Bayan Fi Tarikh Afghan
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
Noocyada
وفي الثامن عشر من رمضان نزل الثلج عليهم فتضاعفت مصيبتهم فاضطروا لإخلاء قزنة، واستحضار عساكرهم.
وفي العشرين منه عقد الوزير المختار مجلسا مع الأفغانيين لحسم الأمر، فطلبوا منه أن يعطيهم نصف ما مع العساكر الإنجليزية من المدافع والجبخانة، فدان لطلبهم رغما، ورضي به عجزا، بل زاده أنه سلمهم «كابتان كيلي» و«كابتان ابري» رهنا على وفائه بما طلب منه.
وفي الثاني والعشرين منه جاء «مستر اسكنير» الذي كان أسيرا عند محمد أكبر خان إلى الوزير المختار، وأخبره أن محمد أكبر خان يبتغي منه أمرا عسيرا فارتبك وانعقد لسانه ثم قال: «وهو أنه يريد أن تيسر إليه ووجوه ضباط العساكر ليفصم معكم الأمر مرة واحدة.» فلما وعي ما سمع لم يجد بدا من الطاعة لكنه خشي عاقبة الغدر، فنادى في العساكر بالتأهب والاستعداد خارج الاستحكام ثم سار هو ورؤساء العساكر إلى تل، حيث ينتظرون قدوم محمد أكبر خان، فلم يلبث أن حضر مع بعض من خوانين الأفغان وأخذ يفاوض الوزير المختار، وكل من الخوانين كان يفاوض رئيسا ممن معه من ضباط العساكر، ثم أخذت خيالة الأفغان تتوارد عليهم فرادى فرادى، ومثنى مثنى، وعما قليل صرح محمد أكبر خان على قومه بأن يبطش كل منهم بمن يفاوضه ففعلوا، أما الوزير المختار فقد قطعت يده وجر وهو يستجير ويستغيث ويصيح: «وا ويلاه وا غوثاه.» ثم جزوا رأسه وطافوا به في أزقة كابل وصلبوا «تروار» على قارعة طريقها، وأما «لفتننت أبري» وهو الذي روى خبر هذه الواقعة وأبان فيما كتب سخافة عقول الإنجليز وجبن قلوب أمرائها وضعف آرائهم فقد وقع أسيرا في يد محيي الدين الأفغاني ثم هو مثله بين يدي محمد أكبر، فنظر إليه بعين يتقاطر منها الغضب وخاطبه بقوله: «أكنتم طامعين - أيها الإنجليز - في بلادنا؟ أرأيتم ما حل بكم جزاء عقابا؟ لكني عفوت عنك فليس لي بقتلك حاجة.» ثم وكل أمر حفظه إلى ملا مؤمن.
ثم إن «ميجر بتنجر» الذي خلف الوزير المختار المسمى «سير وليم» هم بافتتاح أمر الصلح ثانيا مع الأفغانيين، فقالوا: «نجيبك على شروط؛ الأول: أن تترك العساكر لنا مدافعهم ولا يبقى لهم سوى ستة، الثاني: أن تسلم لنا الأموال والأدوات والأثقال المتعلقة بالخزينة، الثالث: أن تعطينا جماعة من كبراء الإنجليز بأولادهم وزوجاتهم رهنا، الرابع: أن توفي بما كان الوزير المختار وعدنا به من إعطائنا أربعة عشر لكا من الروبية.» فلما سمع هذه الشروط ورأى أن المقام مقام لا تروج فيه الحيل الثعلبية التي تعودها الإنجليز، بل هو مقام الطعن والضرب، ومجال السيف والرمح، لم يجد له محيصا من قبولها، وإن كانت شاقة ولا ترضى بها نفس حرة، نعم، إن الجنرال «ألفستون» أراد أن يظهر الشمم والحماسة، فانتفخ انتفاخ الهرة، لكن انتفاخه لم يؤثر في دم الإنجليز من الحرارة أثرا، بل تواطأ أمراء العساكر في التاسع والعشرين من رمضان على إعطاء «كابتان درمند» و«كابتان وانسن» و«كابتان واربرتن» و«كابتان دب» مع نسائهم وأولادهم رهنا، ثم جعلوا المجروحين في منزل أحد الأفغانيين، وتركوا معهم بعض الأطباء، وسلموا الأفغانيين خمسة من المدافع السلطانية.
وفي اليوم السادس من شوال تجهزوا للرحيل، وساروا بتسعة مدافع واثني عشر ألف جمل تحملهم رجالا ونساء وأطفالا، وفي خلفهم العساكر المشاة يسيرون على أرجلهم، فوصلوا إلى نهر يلزمهم اجتيازه، وليس عليه سوى قنطرة، فبعد أهوال وأوحال وموت كثير منهم اجتازوه، وقطعوا مسافة ما إلى أن وصلوا إلى «بكران». على أن الأفغانيين لم يتركوهم وبلاءهم، بل اقتفوا أثرهم كالذئاب الجائعة ينهبونهم ويسلبونهم حتى أخذوا منهم مدفعا آخر، وقدموه إلى محمد أكبر خان، ثم إن محمد أكبر خان عاد، وشرط عليهم أن يسلموه ستة أشخاص أيضا من كبرائهم، فأجابوه وعاهدوه على أن لا يطلقوا بندقية واحدة، ولا يشهروا سلاحا على أفغاني بشرط أن لا يتعرضوا إليهم بالإيذاء ولا إلى أقواتهم بالنهب والسلب، ووصلوا بعد زمن قصير مصحوبين بهذه الذلة والمسكنة إلى «بث خاك».
وفي اليوم الثامن من شوال أعاد الأفغانيون إطلاق الرصاص عليهم فهم «ميجر شتوين» بأن يدافع فلم يقو، ثم طلب محمد أكبر خان منهم جماعة أخرى رهنا فوق من أخذهم فسلموا، حتى سلموا، ووصلوا إلى الطريق الموصل إلى «خورد كابل»، وهو عبارة عن شعب يمتد بضعة أميال طولا، والمسلك الذي يجب اجتيازه هناك واقع في سفح جبل يكتنفه من أحد جانبيه نهر ينحط عنه بستين ذراعا وقمة الجبل من الجانب الآخر. فأدركهم هناك الأفغانيون وحاصروهم وأخذوا منهم مدفعا ولم يصلوا إلى قرية خورد كابل، حتى قتلوا منهم ثلاثة آلاف شخص وسلبوا جل ذخائرهم.
وفي اليوم التاسع من شوال الذي كانت الأحياء فيه تحسد الأموات، جاءهم وهم يريدون الرحيل خبر من عند محمد أكبر خان وهو أنه التزم صيانة النساء والأطفال والجرحى فداخلهم بعض الاطمئنان من هذا الخبر.
وفي اليوم العاشر منه فاجأهم الأفغانيون وهم على أهبة المسير، وأحاطوا بهم فسدوا عليهم المسالك، ووضعوا فيهم السيف، ولم تستطع الإنجليز حراكا، بل كانت عساكرهم الهندية تلقي بأسلحتها وتطلب الفرار، ولكن لا تجد سبيلا ولا منقذا من دائرة المنايا، ولم ينته بهم السير إلى «قبر جبار» إلا وقد استأصلهم السيف وسلبت أمتعتهم وأموالهم وذخائرهم، ولم يبق مع من بقي منهم سوى مدفع واحد، وقد غص معبر «هفت كتل» بجثث القتلى.
وبالجملة فقد قتل من عساكرهم المنتظمة خاصة من يوم خروجهم إلى يوم وصولهم إلى «كتر سنك» اثنا عشر ألفا، أما عدد من قتل من العساكر غير المنتظمة فعلمه عند الله. وفي ليلة بلوغهم إلى «كتر سنك» أسرت جماعة منهم، وسلب المدفع الذي كان باقيا معهم.
وفي اليوم الحادي عشر منه خرجوا من «كتر سنك» إلى «جكدلي» فوصلوها وقت العصر، وإذ ذاك قاموا على تل، واصطفوا عليه وأظهروا الجلادة إرهابا للأفغانيين؛ فغضب من ذلك الأفغانيون، وأشرفوا على مرتفعات هناك، وأطلقوا عليهم المدافع والبنادق، ثم إن محمد أكبر خان طلب «اسكينز» وقال له: «لا بد لكم أن تعطوني أيضا شيلتان وجان سن رهنا.» وفي أثناء المكالمة أطلقت على اسكينز رصاصة من حيث لا يعلم فمات، فلما رأى الإنجليز ذلك بادروا بالمسير قاصدين «جلال آباد» فابتدرهم الأفغانيون بالسيوف من سائر الأطراف، وكان عدد القتلى في هذا الموقع أكثر مما هو في «خورد كابل».
Bog aan la aqoon