Saamaynta Lotus: Sheeko ku saabsan walxaha nano ee cilmi-baarista daawada noolaha
تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي
Noocyada
لقد أعلنت الزميلة العاملة في قسم علوم الفيروسات بصراحة، أمام باب مدخله الذي ظل موصدا معزولا عن كل ما حوله، أن الزميل في غاية الانشغال، وسيتصل هو بها بمجرد أن يتوفر لديه الوقت. لم تصدق فاندا أي كلمة مما قالت. ثم ذلك الأمر مع الرئيس؛ فمنذ عودته من الإجازة لا يتواصل شتورم معها إلا عبر السكرتيرة التي لم ترد أن تحدد لها أي موعد معه قبل بداية فبراير. مع توماس أيضا لم يعد يتيسر الحديث؛ إذ ظل يتحاشاها بعد الطريقة التي غادرت بها ليلة رأس السنة. وأندرياس عنده امتحانات، على الأرجح أنها أخافته هو أيضا. بيتر سنايدر أكد لها ما لمح به تيد حول طموحات المخابرات الأمريكية، لكن لم تتمكن من الوصول إليه بعد هذا. ماري كامبل كانت «خارج المكتب» للأسبوعين القادمين، حسب الرد الآلي على البريد الإلكتروني، علاوة على ذلك، رأت أن يوهانيس وزابينة يجفلان ويؤثران الصمت بمجرد أن تتلفظ هي بكلمة نانوسنيف؛ ولهذا شعرت فاندا أن الكل يتحاشاها، وكأنها أصيبت بالجذام، لم تعد تتواصل إلا مع رودي الذي لا يوصلها إلى شيء؛ لذا فقد آن الأوان أن تجد لنفسها دعما مستقلا.
عند تقاطع باد هومبورج أخذت التفريعة المؤدية إلى أوبرأورزيل. كلما فكرت في هارتموت فيبيلينج رأت صورة رجل ضئيل البنية أمام عينيها، ذي وجه نحيل وشعر أشقر قمحي كثيف مقارنة بمن في عمره، ذي عينين في زرقة الماء تنظران عبر نظارة معظمة كبيرة الحجم. آنذاك كان دائما ما يرتدي قميصا أبيض عليه ربطة عنق برسم حيوان. لم تر فيبيلينج منذ ما لا يقل عن ست سنوات. أنى لها أن تبدأ معه الحديث مباشرة؟ في تلك الأثناء كان قد تقاعد. لقد كانت سكرتيرته القديمة من معهد علم الحيوان التابع لجامعة مونستر التي وصلت إليها فاندا على الرقم القديم سعيدة جدا بسؤالها وأعطتها أخباره، كما أوضحت لها بود أن الأستاذ عاد إلى بيته القديم الذي لا يبعد عنها كثيرا. لقد آثر الأستاذ المتقاعد هارتموت فيبيلينج أن يمضي سنوات تقاعده في كونيجزشتاين الكائنة في مرتفعات تاونوس، وأعطت فاندا رقم هاتفه. «آه، أنت السيدة الشابة التي كانت ترتدي جوارب عليها نقش الكنغر؟» ما زالت لديه تلك الضحكة الطفولية.
كان على حق، آنذاك تملكتها رغبة ارتداء جوارب عليها نقوش حيوانات. معقول أنه لا يزال يذكر ذلك رغم أنها لم تكن تدرس عنده أصلا؟ الصدفة وحدها جعلته يشرف عليها في الفصل الدراسي الأول لها بالجامعة، وها قد ثبت أنها كانت صدفة سعيدة أن يندرج اسمك في آخر كشف الأسماء المرتبة هجائيا مثل فيبيلينج، الذي آوى كل المبتدئين من أول تابيرت وحتى فونديرليش تحت جناحه فصلا دراسيا كاملا، وسرعان ما تحولوا إلى دائرة صغيرة تتحلق حول الأستاذ، تلتقي بانتظام، تنظم جولات في الغابة، أو زيارات إلى حديقة الحيوان، أو تذهب لتناول البيتزا وتدخل في مناقشات قد تمتد طوال الليل حول الإله والعالم، وتحكي عن أحلامها الوظيفية، إلى أن باعد بينهم أخيرا وفرقهم واقع الدراسة وإيقاعها اليومي. وكلما عادت فاندا بفكرها إلى الوراء، إلى ذلك الوقت، شعرت أن روح المغامرة تعود إليها متدفقة مثل يوم ربيعي دافئ، وتعيد إليها اليقين بأنها ستحقق كل ما تصبو إليه. في السنوات اللاحقة لم تعد ترى فيبيلينج إلا لماما؛ تلقاه لقاء خاطفا في طرقة أو في احتفالية كبرى، كانت سمعته تسبقه على أنه مدير معهد تتسم شخصيته بالمغامرة والحكمة. أول أمس تجنبت أن تلح عليه على الهاتف، لكنه سرعان ما استوعب أن ما يشغلها أمر مهم فدعاها إلى منزله. صحيح أنه مشغول نسبيا، لكن في وسعه أن يفسح لها ساعة من وقته إن كانت تكفيها. أسعدها أنها ستلقاه ثانية.
عند أوبرأورزيل تركت الطريق السريع عند مخرج كونيجزشتاين، وبعد بضع كيلومترات وصلت إلى منطقة مامولزهاين. كان من السهل رؤية فيلا فيبيلينج من الشارع، وهو لم يكن يبالغ حين قال إنها أكبر أرض على حافة الغابة. صفت سيارة يوهانيس على الممشى. كان الجرس عبارة عن حوض من النحاس في منتصفه زر، دقت الجرس ففتح هارتموت فيبيلينج الباب بنفسه. نفس العينين الزرقاوين زرقة الماء هما اللتان تطالعانها الآن بفرح وترقب.
لمع بريق فضي على شعره، عاودت فاندا الذكرى ثانية، تذكرت أنه حتى آنذاك كانت أرنبة أنفه منحرفة قليلا نحو اليمين، وكأنه يتشمم رائحة آتية من تلك الناحية على نحو مستمر، بينما هو مثبت النظر على محدثه. تلك اليقظة التي توحي بسيطرته على كل الاتجاهات، كانت تقوي من حضوره الطاغي الذي يتدبر به أمر محاوره أيا كانت حالته. اليوم يرتدي بنطالا من الجينز وبلوفر عالي الرقبة بلون الأزرق الفاتح، وسترة من الجلد. نظر إلى الخف الفرو الذي يرتديه في قدميه وبسط يده كما لو كان يعتذر. «لقد تعاركت معي زوجتي، لكن لم تكن بي رغبة لأن أبدل ثيابي.» ضحكت فاندا. كان الأزرق الفاتح يناسبه كثيرا، لكن حياءها منعها أن تقول له ذلك، وحين أرادت أن تخلع حذاءها أشار إليها ألا تفعل.
قالت وهي تضحك بخبث: «خسارة. هذه المرة موظ كندي.» فأصر على رؤية جواربها.
أدفأت الأرضية المكسية بالقرميد الرمادي قدميها. قادها فيبيلينج إلى غرفة مكتبه. أضفت السجادة فاتحة اللون تباينا لطيفا مع لون الخشب الداكن للمكتب القديم الذي لم يكن عليه سوى جهاز كمبيوتر محمول. أشار إلى ركن للجلوس إلى جوار النافذة، غطست فاندا في واحد من الكراسي الحمراء الصغيرة. فجلس هو على الآخر إلى جوارها. كان الماء يغلي بصوت مسموع في إناء صنع الشاي الموضوع على منضدة المشروبات.
قال وهو يناولها طبقا من البورسلين الرقيق: «تفضلي، قدمي لنفسك ما تشائين، أم تراك تفضلين قهوة؟»
هزت فاندا رأسها ووضعت الفنجان أسفل حنفية الشاي المطلية بالفضة. كان فيبيلينج يرنو إلى الغابة. «تأتي الغزلان نحو الساعة الثالثة والنصف، واحدة تلو الأخرى. تخرج بحذر بالغ من حماية الأشجار. أحيانا يصل عددها إلى خمس إناث. أستمتع بهذه المسرحية كل مرة أكون فيها بالمنزل. ما زلت كثير السفر. هل تعرفين، نحن الأساتذة نزدهر حقا بعد أن نتقاعد، فأخيرا تخلصنا من الواجبات الإدارية الثقيلة، ونستطيع أن نفعل ما يسعدنا.» نظر إليها نظرة تآمرية وقال: «لكن لا تحكي لزوجتي أيا من ذلك، في وقت ما ستفهم وحدها أنني يمكنني أيضا أن أشذب العشب. وعلى كل حال اكتشف أولادي أن الجد جليسة أطفال ممتازة.» فكر قليلا ثم قال: «إذن أنت الآن في ماربورج مدينة الشعراء والمفكرين: هايدجر، باستيرناك، بين، كاشنيتس، وكان بها أيضا بعض العلماء الأذكياء.» رمق فاندا بنظرة مستمتعة وقال: «علي أن أعترف أني لم أذهب إلى هناك قط، وكما سمعت فعملك يضم الآن جانبا طبيا.» رفع حاجبيه وتساءل: «احكي لي: فيم تعملين الآن وكيف يمكن لي أن أفيدك؟» كان الحديث عن أبحاثها مدخلا جيدا، وتدريجيا بدأ خجلها يتلاشى، وسرعان ما قادها الموضوع إلى سبب الزيارة. حكت لفيبيلينج عما اكتشفته حول نانوسنيف. ركزت على الحقائق العلمية. «علاجات ضد التقدم في العمر.» قال وهو يرفع كتفيه فيغوص رأسه بينهما: «وكأن التقدم في العمر مرض.» فكر قليلا ثم قال: «عندي رؤيتي الخاصة للموضوع: السيطرة لا تؤدي إلا إلى تكبير المسألة. نظل ننفخ فيها وكأنها منطاد نملؤه بالهواء الساخن، ثم نستكثره على السماء.» ابتسم لفاندا من وراء نظارته وقال: «ويوما ما سنعاود زراعة الموت لأننا سنفتقده.»
ظلت فاندا صامتة لوهلة إلى أن تحدثت ثانية، فسيأتي الآن الجزء الأصعب فيما تريد قوله. أوضحت له أن شتورم يتجاهل آخر ما وصلت إليه النتائج حول نانوسنيف، ولم يفتها ملاحظة أن فيبيلينج كان كثيرا ما ينظر من النافذة في أثناء حديثهما. توقف عن الابتسام فرأت التجاعيد الغائرة حول فمه. «هل حضرت إلي لتشتكي من رئيسك؟» ازدردت فاندا ريقها، وفكرت: كان علي أن أتوقع هذا. فالمثل يقول: لا غراب يفقأ عين غراب مثله. وأبناء المهنة الواحدة يحمون بعضهم ظهور بعض.
Bog aan la aqoon