العقول والحكم التي لا تكاد تدانيها عقول الارمن والروم، يعبدون البددة قبل تنصر الروم بالدهور الكثيرة، وليس يدعون الناس باتباعهم لا بسيف ولا برغبة ولا بالرهبة، ومن دخل فيه لم يمنعوه، وهم يدّعون ان اصنامهم تكلمهم وتأمرهم وتنهاهم، وتبدرهم بالأمور قبل كونها، وتأتيهم بالأمطار وما يسألونها من الرخاء والنعم، وتدفع عنهم السوء، وتشفي مرضاهم، ويحملون زمناهم على الجنائز الى سوق الاصنام فينقهون ويرجعون على اقدامهم، ويدّعون انها تحيي الموتي، ولهم رقى يدعون انها تشفي وتحيي، فينبغي ان يكون هؤلاء محقين صادقين.
والمجوس تدعي لزرادشت من المعجزات والآيات اكثر مما يدعيه النصارى لمن دعاهم الى النصرانية، ويقولون: نحن لا نكره احدا على الدخول في ديننا ولا نرغبه فيه، وهو دين خصنا الله به، فمن دخل فيه لم نمنعه، وإنما نقاتل ونحمل السيف على الامم لتأدية الخراج والدخول في الطاعة فقط، فأما لأجل الدين فلا نحارب. وعقول الفرس وحكمتها وتحصيلها قد عرفه الناس، وكثرة وسع ممالكها فوق ممالك الروم بطبقات، فينبغي على قياسكم ان يكونوا محقين وصادقين.
فان قلتم لهم: لكم ملوك عتاة جبابرة هم ادخلوكم بالقهر والسيف والرغبة والرهبة في هذا الدين، قالوا لكم: أما الدين فما تعرضوا لإدخال الناس فيه ولا/ اشتغلوا به، وإنما كان أخذهم للناس بالسمع والطاعة والخضوع للملك، وهذا معروف.
والعيان والموجود من دين النصرانية وما عليه هذه الطوائف لهم القهر والغلبة والسيف مذ كانت الى هذه الغاية، وما هاهنا سيف حمل بباطل إلا