الباب الاول فى الكى وقبل أن نذكر العمل به ينبغى أن نذكر الباب الاول فى الكى وقبل أن نذكر العمل به ينبغى أن نذكر كيفية منافعه ومضاره وفى اى مزاج يستعمل، فأقول إن الكلام فى كيفية منفعة الكى ومضاره كلام طويل وعلم دقيق وسر خفى وقد تكلم فيه جماعة من الحكماء واختلفوا فيه وقد اختصرت من كلامهم اليسير مخافة التطويل، فأقول إن الكى ينفع بالجملة لكل سوء مزاج يكون مع مادة وبغير مادة حاشى مزاجين وهما المزاج الحار من غير مادة والمزاج اليابس من غير مادة فأما المزاج اليابس مع مادة فقد اختلفوا فيه فقال بعضهم إن الكى نافع فيه وقال آخرون بضد ذلك إن الكى لا يصلح فى مرض يكون من الحرارة واليبوسة لأن طبع النار الحرارة واليبوسة ومن المحال أن يستشفى من مرض حار يابس بدواء حار يابس، وقال الذى يقول بضد ذلك إن الكى بالنار قد ينفع من مرض حار يابس يحدث فى ابدان الناس لأنك متى اضفت بدن الانسان ورطوبته الى مزاج النار اصبت بدن الانسان باردا، وأنا اقول بقوله لأن التجربة قد كشفت لى ذلك مرات الا أنه لا ينبغى أن يتصور على ذلك الأمر الا من قد ارتاض ودرب فى باب الكى دربة بالغة ووقف على اختلاف مزاجات الناس وحال الامراض فى انفسها واسبابها واعراضها ومدة زمانها، وأما سائر الامزجة فلا خوف عليك منها ولا سيما الامراض الباردة الرطبة فقد اتفق جميع الاطباء عليها ولم يختلفوا فى النفع بالكى فيها، واعلموا يا بنى أن من سر التعالج الكى بالنار وفضله على الكى بالدواء المحرق لأن النار جوهر مفرد لا يتعدى فعله العضو الذى كوى ولا يضر بعضو آخر متصل به إلا ضررا يسيرا، والكى بالدواء المحرق قد يتعدى فعله الى ما بعد من الاعضاء وربما احدث فى العضو مرضا تعسر مداواته وربما قتل، والنار لشرفها وكرم جوهرها لا تفعل ذلك الا أن افرطت، وقد اتضح لنا ذلك بالتجربة لطول الخدمة والعناية بالصناعة والوقوف على حقائق الأمر ولهذا استغنيت عن طول الكلام، ولو لا أنه لا يليق بكتابى هذا لأوردت عليكم فى النار سرا غامضا وكيفية فعلها فى الاجسام ونفيها للامراض بكلام فلسفى برهانى يدق عن افهامكم، واعلموا يا بنى أنهم قد اختلفوا فى الزمان الذى يصلح فيه الكى وجعلوا افضل الزمان زمان الربيع، وأنا اقول إن الكى قد يصلح فى كل زمان من اجل أن الضرر الواقع من قبل الزمان يستغرق فى المنفعة التى تستجلب بالكى ولا سيما إن كان الكى من اوجاع ضرورية قوية محفدة لا تحتمل التأخير لما يخاف منها أن يعقب ببلية هى اعظم من يسير الضرر الداخل من قبل الزمان، ولا يقع ببالكم يا بنى ما يتوهموه العامة وجهال الاطباء أن الكى الذى يبرئ من مرض ما لا يكون لذلك عودة ابدا وتجعلوه لذاما، وليس الامركما ظنوا من اجل أن الكى انما هو بمنزلة الدواء الذى يحيل المزاج ويجفف الرطوبات التى هى سبب حدوث الاوجاع إلا أن الكى يفضل على الدواء بسرعة نجحه وقوة فعله وشدة سلطانه، وقد يمكن أن يعود المرض وقتا ما من الزمان على حسب مزاج العليل وتمكن مرضه وقوته وما يتهيأ فى جسمه من اجتماع الفضول فيه واهمال نفسه فى اكتسابها من الاغذية ونحو ذلك من الاسباب، اللهم الا أن يكون المرض الذى يستعمل فيه الكى مرضا لطيفا وفى عضو قليل الفضول والرطوبات مثل كى الضرس عن الوجع ونحوه فقد يمكن أن لا يعود فيه ذلك الوجع وذلك يكون فى الاقل، وأما قول العامة ايضا أن الكى آخر الطب فهو قول صواب لا الى مايذهبون هم لأنهم يعتقدون أن لا علاج ينفع بدواء ولا بغيره بعد وقوع الكى والامر بخلاف ذلك وإنما معنى إن الكى آخر الطب إنما هو أننا متى استعملنا ضروب العلاج فى مرض من الامراض ولم تنجع تلك الادوية ثم استعملنا آخر شىء الكى فينجع فمن هاهنا وقع إن الكى آخر الطب لا على المعنى الذى ذهب اليه العامة وكثير من جهال الاطباء، وقد ذكرت الاوائل أن الكى بالذهب افضل من الكى بالحديد وانما قالوا ذلك لاعتدال الذهب وشرف جوهره وقالوا إنه لا يتقيح موضع الكى وليس ذلك على الاطلاق لأننى قد جربت ذلك فوجدته انما يفعل ذلك فى بعض الابدان دون بعض والكى به احسن وافضل من الحديد كما قالوا الا أنك اذا احميت المكواة فى النار من الذهب لم يتبين لك متى تحمى على القدر الذى تريد لحمرة الذهب ولأنه يسرع اليه البرد وإن زدت عليه فى الحمى ذاب فى النار وانسبك فيقع الصانع من ذلك فى شغل فلذلك صار الكى بالحديد عندنا اسرع واقرب من الصواب للعمل إن شاء الله وقد رتبت هذا الباب فى الكى على فصول نظمتها من الرأس الى القدم ليسهل على الطالب ما يريد منه إن شاء الله، انكشف من العظم قدر رأس الخلال او قدر حبة الكرسنة فارفع يدك والا فأعد يدك بالحديدة نفسها او بغيرها إن بردت حتى ترى من العظم ما ذكرت لك ثم خذ شيئا من ملح فحله فى الماء وشرب فيه قطنة وضعها على الموضع واتركه ثلاث ايام ثم احمل عليه قطنة مشربة فى السمن واتركها عليه حتى تذهب الخشكريشة من النار ثم عالجه بالمرهم الرباعى الى أن يبرأ إن شاء الله، وقد قالوا ان الجرح كلما بقى مفتوحا يمد القيح فهو افضل وانفع، وذكر بعضهم بأن يكوى الجلد الى العظم وتمسك المكواة حتى يحترق بعض ثخن العظم ثم يجرد بعد ذلك ما احترق من العظم ثم يعالج، وقال آخرون ينبغى أن يبالغ بالكى حتى يؤثر فى العظم تأثيرا قويا حتى يسقط من العظم كهيئة القيراط اوالفلكة الصغيرة وزعموا انه ينفس من ذلك الموضع ابخرة الرأس ويترك الجرح مفتوحا زمانا طويلا ثم يعالج حتى يندمل، ولست أرى هذين النوعين من الكى البتة الا فى بعض الناس وعلى طريق الغرر وتركه عندى افضل ومع السلامة اذا كانت فإن الرأس يعضف متى تفرق اتصاله الطبيعى كما قد شاهدناه فى سائر الاعضاء ولا سيما متى كان رأس العليل ضعيفا بالطبع والنوع الاول من الكى اسلم وافضل عندى واياه استعمل فاعمل به تسلم إن شاء الله،
Bogga 19