Aasaaska Metafisiga Akhlaada
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
Noocyada
يقول الأمر الأخلاقي المطلق: «افعل الفعل بحيث يمكن لمسلمة سلوكك أن تصبح مبدأ تشريع عام.» أو بعبارة أدق بحيث تريد لها أن تصبح قانونا عاما لجميع الناس. كما يقول في صيغة أخرى: «افعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي شخص كل إنسان سواك باعتبارها دائما، وفي الوقت نفسه غاية في ذاتها، ولا تعاملها أبدا كما لو كانت مجرد وسيلة.» هنا تصبح المشكلة العسيرة، ألا وهي كيف يصبح الأمر الأخلاقي ممكنا؛ فالتجربة لا تستطيع أن تقدم لنا مثالا واحدا يؤكد أن الأمر الأخلاقي يمكن أن يرد فيها في صورته الخالصة. وليس هناك مثال تجريبي ينهض دليلا على صحة الأمر الأخلاقي كما تنهض التجربة السليمة دليلا على صحة القانون الطبيعي وضرورته في كل الأحوال. ومع ذلك فنحن نستطيع أن نفسر كيف يصبح الأمر الأخلاقي ممكنا إذا تعمقنا النظر في هذه الازدواجية التي يتميز بها وجودنا والتي تحدثنا عنها الآن؛ أعني إذا انتقلنا خطوة من التجربة إلى الميتافيزيقا - لا الميتافيزيقا التقليدية، بل الميتافيزيقا التي شيدها كانت مذهبا عقليا على أساس نقدي سليم - فلم نبدأ من التجربة، بل من تصور الإنسان لطبيعته من حيث هو كائن عاقل؛ فالعالم بالنسبة لهذا الكائن العاقل وحدة تجمع في شخصه بين عالم الطبيعة وعالم العقل (هذا الموقف نابع من تمييز المثالية الترنسندنتالية عند كانت بين الظاهرة والشيء في ذاته، ومن النزعة الغالبة عليه في التوفيق بين المذهب التجريبي والمذهب العقلي)؛ فهناك العالم الحسي الذي ننتمي إليه باعتبارنا كائنات حسية تحددها القوانين الطبيعية كما تحدد الأشياء والظواهر من حولنا. وهناك من ناحية أخرى العالم المعقول الذي ننتمي إليه كذلك، ولكننا نقوم بتحديد أنفسنا ونشرع قوانين أفعالنا ونعتبر أحرارا بمقدار خضوعنا لهذه القوانين؛ فليست الحرية إلا هذا الخضوع الإرادي للقوانين، أو التحديد الذاتي
Selbstbestimmung
على حد تعبير كانت. والإنسان حر بقدر ما يخضع للقانون الذي يضعه هو نفسه لنفسه. ومن ثم كانت فكرة الحرية التي أستمدها من العقل والتي تجعلني عضوا في العالم المعقول هي الشرط الوحيد الذي يجعل الأمر الأخلاقي المطلق ممكنا.
ولكن كيف لي أن أطيع هذا الأمر الصارم المطلق، وكيف أخضع «لينبغي» و«يجب» القاسيتين، وأطرح كل ميولي ودوافعي، وأغض النظر عن كل منفعة قد تترتب على فعلي بينما أنا في نفس الوقت كائن حسي كما أنا كائن عاقل؟ إن الجواب الوحيد على ذلك هو في الحقيقة التي تقول إنني أنا الذي أشرع لنفسي هذا القانون، وإنني أنا الذي أحدد نفسي في كل فعل أقدم عليه، وإن الاحترام الذي أحمله للقانون الذي أشرعه لنفسي هو وحده الذي يجعلني أنفذ بالفعل ما يأمر به الأمر الأخلاقي المطلق بالعقل. إنني أعصب عيني عن كل جزاء يمكن أن يترتب عليه، وأزهد في كل منفعة قد تأتيني منه، وألغي كل رغبة أو أمل قد يتحقق من ورائه، ولا أقدم على الفعل إلا لأنني أجد أنه فعل صحيح وحق في ذاته، وأنه يتفق مع قاعدة سلوكي التي استقيتها من العقل الخالص ورفعتها بذلك إلى مستوى القانون الضروري المطلق. هناك أصل إلى الحد الذي ليس للإنسان أن يتعداه؛ فليس لي أن أسأل عن ماهية هذا الأمر الأخلاقي؛ لأنني لن أعرف عنه شيئا. إن كانت سيقول لي عندئذ - في نغمة لا تخلو من الحزن والمرارة وإن نبعت من معرفة عميقة بحدود الإنسان وإدراك أليم لتناهيه - إنك لن تفهم من الأمر الأخلاقي في نهاية المطاف إلا أنه لا سبيل إلى فهمه ...
بقيت كلمة أخيرة عن تصور الواجب؛ فمن المعروف أن الشاعر العظيم فريدريش شيللر كان في مقدمة من تأثروا تأثرا شديدا بمذهب كانت الأخلاقي، وأنه استطاع في كتاباته الفلسفية بعد ذلك أن يضع نظرية في الأخلاق تختلف في بعض ملامحها عن نظرية كانت.
ففي مقالة شيللر الشهيرة «عن الرقة والكرامة
über Anmut und Würde » نجده يأخذ على «الحكيم العالمي»، مع كل ما يحمله له من إعجاب وتقدير، ما في فكرة الواجب عنده من صلابة وقسوة. يقول شيللر:
إن فكرة الواجب في فلسفة كانت الأخلاقية تتميز بصلابة تفزع منها جميع العواطف الرقيقة، وقد تغري ضعاف الفهم في سهولة على أن يبحثوا عن الكمال الأخلاقي في زهد الرهبان.
والحق أن كلمة «الصلابة» تنطبق على مذهب كانت في الواجب تمام الانطباق؛ فنحن نحس بغير قليل من الصلابة في هذا الصوت الصارم الرهيب الذي يدعونا إلى أن نتخلى عن عواطفنا وميولنا وإحساساتنا ولا نطيع إلا أمره البارد المطلق القاسي. ونحن نحس بغير قليل من الصلابة في فعل «يجب» الذي يأمرنا بأن نؤدي الفعل دون أن ننتظر جزاء نجنيه من ورائه، لا بل دون أن نمني النفس بأدنى نصيب من السعادة. ومع ذلك فينبغي علينا إنصافا للحكيم العالمي كما يسميه شيللر بحق ألا نغفل هذا النبل النادر الرفيع الذي يجلل هامة الإنسان حين يخضع للقانون الأخلاقي لمجرد أنه قانون نبع من عقله الخالص، ولا أن ننكر ما يشعر به بلا شك من الرضا والارتياح في الوفاء بمثل هذا الواجب. ولا بد هنا من أن نفرق بين الواجب كما نفهمه اليوم ونقصد به في الغالب نوعا من الجبر يفرض علينا من الخارج، ويرزح على كواهلنا كأنه عبء ثقيل بغيض، وبين الواجب كما يفهمه كانت؛ فأنا حين أؤدي واجبي لا أخضع في رأي كانت لقوة خارجية أيا كان سلطانها، وإنما أفعل الفعل بما يتفق مع قانون وضعته لنفسي بنفسي، ولا أخضع له إلا لأنني أنا الذي شرعته لنفسي. وليس في ذلك شيء من التعسف أو الفوضى؛ لأن هذا القانون لن يستحق اسم القانون حتى يكون «حكما تركيبيا قبليا» على حد تعبير كانت، يصدر عن العقل الخالص وعن العقل الخالص وحده. وقد كان شيللر من أوائل الذين عرفوا بإحساسهم المثالي النبيل ما في فكرة الواجب الكانتية من صدق وعمق. ولعل أجمل تعبير عن ذلك ما يقوله لصديقه كورنر
Körner
Bog aan la aqoon