أحدُها: المَنْعُ، وبه قالَ مُعْظَمُ أصْحابِنا والحَنَفِيَّةُ، وفي ذِكْرِ القاضِي مِن المَانِعِينَ فائدةٌ، وهي: الرَّدُّ على ابنِ الحَاجِبِ حِكَايَتَه عن القاضِي الجَوازُ، والموجودُ في (التقريبِ) للقاضِي المَنْعُ، وكذا حَكَاهُ عن المَاوَرْدِيِّ وغيرِه، ومِن أَدِلَّتِهم: ما مِن شيءٍ إلاَّ ولَه اسمٌ في اللُّغَةِ توقيفًا فلا يَجُوزُ أنْ يَثْبُتَ له اسمٌ آخَرَ بالقياسِ، كما إذا ثَبَتَ لشيءٍ حَكَمَ بالنَّصِّ لم يُجِزْ أنْ يَثْبُتْ له حُكْمٌ آخَرَ بالقياسِ؛ ولأنَّ الخلافَ إنَّما هو الأسماءُ في المُشْتَقَّةِ والعُرْفِ لا يَلْزَمُ طَرْدُ القياسِ في الاشتقاقِ، فإنَّهم سَمُّوا الدَّابَةَ لدِبِيبِها، ولم يُسَمُّوا كلَّ ما دَبَّ دَابَّةً، ولأنَّ الخَمْرَ فُسِّرَ في معنَى اسمِها الاضطرابُ، وإنَّما هي من المُخَامَرَةُ أو التَّخْمِيرِ، فلو شَاعَ الاسْتِمْساكُ بالاشتقاقِ لكانَ كلُّ ما يُخَامَرُ العقلُ وإنْ لم يَضْطَرِبْ يكونُ خَمْرًا.
والثاني: الجوازُ؛ لأنَّ الاشتقاقَ في الاسمِ بمَنْزِلةِ التعليلِ، فكأنَّهم جَعَلُوا المُشْتَقَّ بمنزلَةِ الفَرْعِ، والمُشْتَقَّ منهُ بمنزلَةِ الأصْلِ، والمعنَى الذي لأَجْلِه بمنزلَةِ العِلَّةِ، وما عَزَاهُ المُصَنِّفُ للإمامِ صحيحٌ، ولا يُنَافِيهِ قولُه: في مواضِعَ، هذا قياسٌ في اللُّغَةِ فلا نَقُولُ به، فهذا اسْتِطْرادٌ لا يُؤَثِّرُ فيما ذَكَرَهُ مَظِنَّةٌ؛ ولأنَّ المُنَاظَرَةَ قد يَرْتَكِبُ فيها غيرُ