حرقُ الجناحِ كأنَّ لحييْ رأسهِ ... جلمانِ بالأخبارِ هشٌّ مولعُ
وقال آخر
وصاحَ بالبينِ غرابٌ شحجا ... كأنما يقلعُ من فيه شجا
مغلغلًا دون اللهاةِ ولجا
باب ٨٥
ومما يتصل بذلك قول الآخر في حمامةٍ
محلاةُ طوقٍ ليس يخشى انفصامهُ ... إذا همَّ أنْ يبلَى تجددَ آخرُ
موشحةٌ بينَ التراقي بزفِّها ... وصدرٌ كمقطوفِ البنفسجِ أخضرُ
وقال آخر
كأنَّ بنحرها والجيدِ منها ... ذا ما أمكنتْ للناظرينا
مخطًا كان من قلمٍ لطيفٍ ... فخطَّ بجيدها والنحر نونا
وقال ابن الرومي
أشجتك داعيةٌ مع الإشراقِ ... هتفتْ بساقٍ في ذؤابةِ ساقِ
أيكيةٌ تدعو بشجوٍ أنْ دعا ... ريبُ الزمانِ قرينها بفراقِ
تبدو أماراتُ الشجى في صوتها ... وترى عليها إلةُ الإطراقِ
لو تستطيعُ تسلبتْ من طوقها ... لو كان منتحلًا من الأطواقِ
وله مثلهُ
مطوقةٌ تبكي ولم أرَ باكيًا ... بدا ما بدا من شجوها لم تسلبِ
وقال آخر
مزبرجةُ الأعناقِ نمرٌ ظهورُها ... مخطمةٌ بالدرِّ خضرٌ روائعُ
ترى طررًا فوق الخوافي كأنها ... حواشي برودٍ أحكمتها الوشائعُ
ومن قطعِ الياقوتِ صيغتْ عيونها ... خواضبُ بالحناءِ منها الأصابعُ
وقال آخر
وهتوفٍ ورقاءُ أرقتِ الطر ... فَ وزادتْ حبلَ الفؤادِ خبالا
ذاتِ طوقٍ من الزمردِ يحكي ... صفو عيشٍ عني تولى وزالا
نبهتني والصبحُ قد خالط اللي ... لّ كما خالط الصدودُ الوصالا
وتراها كأنما بدموعي ... خضبوها أو خاضت الجريالا
باب ٨٦ في
الفراق
قال البصير
ألمتْ بنا يومَ الرحيلِ اختلاسةً ... فأضرمَ نيرانَ الهوى النظرُ الخلسُ
تأنتْ قليلًا وهيَ ترعدُ خيفةً ... كما تتأنَّى حينَ تعتدلُ الشمسُ
فخاطبها طرفي بما أنا مضمرٌ ... وأبلستُ حتى ليسَ يعلمُ حس
وولتْ كما ولى الشبابُ بطيئةً ... طوتْ دونها كشحًا على يأسها النفسُ
وقال البحتري نحو ذلك
وأبَى الظعائنُ يومَ رحنَ لقد غدا ... فيهنَّ مجدولُ القوامِ قضيفهُ
شمسٌ تألقُ والفراقُ غروبها ... عنا وبدرٌ والصدودُ كسوفهُ
وقال أعرابي
حلالٌ لليلى أن تروعَ قلبهُ ... بهجرٍ ومغفورٌ لليلى ذنوبها
فزالتْ زوالَ الشمسِ عن مستقرها ... فمنْ مخبري في أي أرضٍ غروبها
وقال البحتري
دنتْ عند الفراقِ لوقتِ بينٍ ... دنو الشمسِ تجنحُ للأصيلِ
وقال العلوي الكوفي
ولقد نظرتُ إلى الفراقِ فلم أجدْ ... للموتِ لو فقدَ الفراقُ رسولا
إنَّ المصائبَ لو تصورُ ما غدتْ ... مسترحلًا بالبينِ أو مرحولا
الساعةَ البينُ انبرَى فكأنما ... واصلتَ ساعاتِ القيامةِ طولا
وقال الأخطل
خفَّ القطينُ فراحوا منكَ أو بكروا ... وأزعجتهمْ نوًى في صرفها غيرُ
كأنني شاربٌ يومَ استبدَّ بهم ... من قهوةٍ ضمنتها حمصُ أو جدرُ
ومثل هذا كثير، وقال قيس بن ذريحٍ وقد سامه أبوه تطليق امرأته لبنى فقال
فوا أسفى وعاودني رداعي ... وكان فراقُ لبنى كالجداعِ
تكنفني الوشاةُ فأزعجوني ... فيا لله للواشي المطاعِ
فأصبحتُ الغداةَ ألومُ نفسي ... على شيءٍ وليس بمستطاعِ
كمغبونٍ يعضُّ على يديهِ ... تبينَ غبنهُ بعدَ البياعِ
وقال ابن المعتز
ورميتمُ جرحَ الفراقِ فؤادهُ ... فالدمعُ من أجفانهِ يترقرقُ
هزتهُ وقفةُ ساعةٍ فكأنما ... في كل عضوٍ منه قلبٌ يخفقُ
وقال ماني نحوهُ المتقارب
دعتني جهارًا إلى عشقها ... ولم تدرِ أني لها عاشقُ
فرحتُ وللشوقِ من مفرقِي ... إلى قدمي ألسنٌ تنطقُ
باب ٨٧ في
القلم والكتابة
قال بعض الشعراء في القلم
وبيتٍ بعلياءِ الفلاةِ بنيتهُ ... بأسمرَ مشقوقِ الخياشمِ يرعفُ
كأن عليه ملبسًا سلخَ حيةٍ ... مقيمٍ فما يمضي ولا يتخلفُ
وقال ابن المعتز
قلمٌ ما أراهُ أمْ فلكٌ يج ... ري بما شاء قاسمٌ ويسيرُ
1 / 65