فإنْ تكُ أثوابي تمزقنَ عن بلى ... فإني كنصلِ السيفِ في خلقِ الغمدِ
وذلك يشبهُ قول ابن هفان
لعمرِي لئنْ يبعثُ في دارِ غربتي ... ثيابيَ أن ضاقتْ عليَّ المآكلُ
فما أنا إلا السيفُ أخلقَ جفنهُ ... له حليةٌ من نفسهِ وهو عاطلُ
وله أيضًا
تعيرني غربي رجالٌ سفاهةً ... فعزيتُ نفسي مصدرًا وموردا
بأني كمثلِ السيفِ أحسنُ ما يرى ... وأهيبُ ما يلقَى إذا هو جردا
وقال لبيد
فأصبحتُ مثلَ السيفِ أخلقَ جفنهُ ... تقادمُ عهدِ القينِ والنصلُ قاطعُ
وقال أبو هفان
تعجبتْ درُّ من شيبي فقلتُ لها ... لا تعجبي فطلوعُ البدرِ في السدفِ
وراعها عجبًا أنْ رحتُ في سملٍ ... وما درتْ درُّ أن الدرَّ في الصدفِ
باب ٧٦ في
الأعور
ولي يحيى بن أكثم رجلين أعورين قضاء الجانبين الغربي والشرقي فقال دعبل
رأيتُ من الكبائرِ قاضيينِ ... هما أحدوثةٌ في الخافقين
هما اقتسما العمى نصفين قدرًا ... كما اقتسما قضاء الجانبين
وتحسبُ منهما من هزَّ رأسًا ... لينظرَ في مواريثٍ ودينِ
كأنك قد جعلتَ عليه دنًا ... فتحتَ بزالهُ من فردِ عينِ
وقال آخر
وبيننا أبدًا أعمى نؤلفه ... قد يخلقُ الله عميانًا من العورِ
وكشف هذا المعنى بعضهم يصف امرأةً عوراء وعاشقها أعورُ
هي عوراءُ باليمينِ وهذا ... أعورٌ بالشمالِ وافق شنًا
بينَ شخصيهما ضريرٌ إذا ما ... قعدتْ عن يمينهِ تتغنَّى
وقال آخر
ألم ترني وعمرًا حين نعدو ... إلى الحاجاتِ ليس لنا نظيرُ
أسايرهُ على يمني يديهِ ... وفي ما بينا رجلٌ ضريرُ
باب ٧٧ في
وصف سمك ولوزينج وغيرهما
قال ابن الرومي يستهدي سمكًا
وبناتُ دجلةَ في فنائكمُ ... مأسورةٌ في كلِّ معتركِ
تغزى بأمثالِ الدروعِ وأح ... يانًا بمثلِ نوافذِ الشكِ
بيضٌ كأمثالِ السبائكِ بلْ ... مشحونةٌ بالشحمِ كالعككِ
تغني عن الزياتِ قاليها ... وتبخرُ الشاوينَ بالودكِ
حسنتْ مناظرها وساعدها ... طعمٌ كحلِّ معاقدِ التككِ
وله يستهدي لوزينجًا من ابن بشرٍ في قصيدة
لا يخطئني منك لوزينجٌ ... إذا بدا أعجبَ أو عجبا
لم تغلقِ الشهوةُ أبوابها ... إلا أبتْ زلفاتُ أن تحجبا
لو شاءَ أنْ يذهبَ في صخرةٍ ... لسخرَ الطيبُ له مذهبا
يدورُ بالنفخةِ في جامهِ ... دورًا ترى الدهنَ له لولبا
عاونَ فيه منظرٌ مخبرًا ... مستحسنٌ ساعدَ مستعذبا
مستكثفُ الحشوِ على أنهُ ... أرقُّ جلدًا من نسيمِ الصبا
كالحسنِ المحسنِ في شدوهِ ... تم فأضحى مضربًا مطربا
كأنما قدتْ جلابيبهُ ... من أعينِ القطرِ إذا قببا
يخالُ من رقةِ خرشائهِ ... شاركَ في الأجنحةِ الجندبا
لو أنه صورَ من خبزهِ ... ثغرٌ لكانَ الواضحَ الأشنبا
من كلِّ بيضاءَ يحبُّ الفتى ... أنْ يجعلَ الكفَّ لها مركبا
مدهونةٍ زرقاءَ مدفونةٍ ... شهباءَ تحكي الأزرق الأشهبا
فلا إذا العينُ رأتهُ نبتْ ... ولا إذا الضرسُ علاهُ نبا
ذيقَ له اللوزُ فلا مرةٌ ... مرتْ على الذائقِ إلا أبَى
وانتقدَ السكرَ نقادهُ ... وشاوروا في نقدهِ المذهبا
وقال يصف دجاجة
وسميطةٍ صفراءَ ديناريةٍ ... ثمنًا ولونًا زفها لك حزورُ
طفقتْ تجولُ بذربها جوذابةٌ ... فأتى لبابَ اللوزِ فيها السكرُ
نعمَ السماءُ هناكَ ظلَّ صبيبُها ... يهمي ونعمَ الأرضُ ظلتْ تمطرُ
ظلنا نقشرُ جلدها عن لحمها ... فكأن تبرًا عن لجينٍ يقشرُ
وأتتْ قطائفُ بعد ذاك لطائفٌ ... ترضى اللهاةُ بها ويرضى الحنجرُ
ضحكَ الوجوهُ من الطبرزدِ فوقها ... دمعُ العيونِ من الدهانِ يعصرُ
وقال علي بن الزيات
ولكن شفني ما قد أراهُ ... لديهِ من الطعامِ على الخوانِ
وباذنجانُ محشيٌّ تراهُ ... يعومُ كعنبرٍ في دهنِ بانِ
وقال ابن الرومي في الزوار
ما إنْ علمنا من طعامٍ حاضرٍ ... نعتدهُ لفجاءةِ الزوارِ
1 / 61