مشيبٍ كبثِ السرِّعَيَّ بحملهِ ... محدثهُ أو ضاقَ صدرُ مذيعهِ
باب ٤٢ في
مدح الشيب
وقال دعبل في مدح الشيب
أهلًا وسهلًا بالمشيبِ فإنه ... سمةُ العفيفِ وحليةُ المتحرجِ
وكأنَّ شيبي نظمُ درٍ زاهرٍ ... في تاجِ ذي ملكٍ أغرَّ متوجِ
وقال علي بن الجهم
حسرتْ عنيَ القناعَ لومُ ... فتولتْ ودمعها مسجومُ
أنكرتْ ما رأتْ برأسي وقالتْ ... أمشيبٌ أمل لؤلؤٌ منظومُ
قلتُ أولاهما برأسي فأنتْ ... أنةً يستثيرها المهمومُ
وقال مسلمٌ صريع الغواني
الشيبُ كرهٌ وكرهٌ أن تفارقهُ ... أعجبْ بشيءٍ على البغضاءِ مودودِ
يمضي الشبابُ وقد يأتي له خلفٌ ... والشيبُ يذهبُ مفقودًا بمفقودِ
وقال عبد الصمد بن المعذل
لاحَ شيبي فظلتُ أمرخُ فيه ... مرحَ الطرفِ في اللجامِ المحلَّى
وتولَّى الشبابُ فازددتُ غيًا ... في ميادينِ باطلي إذْ تولَّى
إنَّ منْ ساءهُ الزمانُ بشيءٍ ... لأحقُّ امريءٍ بأنْ يتسلَّى
أتراني أسوءُ نفسيَ لمّا ... ساءني الدهرُ لا لعمريَ كلا
ومن حسن ما قيل في مدح الشيب قول الشاعر
والشيب إن يحلُلْ فإنَّ وراءهُ ... عمرًا يكونُ خلالهُ متنفسُ
لم ينتقصْ مني المشيبُ قلامةً ... ألآنَ جينَ بدا ألبُّ وأكيسُ
والبيت الأول مأخوذ من قول امرئ القيس
ألا إنَّ بعدَ العدمِ للمرءِ قنوةً ... وبعدَ المشيبِ طولَ عمرٍ وملبسا
وقال أبو عون الكاتب
هزئتْ إذْ رأتْ مشيبي وهلْ غي ... رُ المصابيح زينةٌ للسماءِ
وتولتْ فقلتُ قولًا بإفصا ... حٍ لها لا بالرمزِ والإيماءِ
إنما الشيبُ في المفارِقِ كالنو ... رِ بدا والسوادُ كالظلماءِ
أبيضٌ والبياضُ للماءِ والبحرِ جميعًا فخلقهُ من ماءِ
وهو لونُ السماءِ ما لم تعرضْ ... خضرةُ الجوِ دونَ لونِ السماء
وهو لونُ الكأسِ التي وعدَ الأب ... رارُ لا غولها على الندماء
كسبيكِ اللجينِ والدرِّ لاقى ... صدفَ الماء فيه قطرُ العماء
وإذا غلَّ بالخضابِ فكالعق ... يانِ في حلقِ غادةٍ أدماء
لم تعيبي إذْ عبتِ بالشيبِ إلا ... عمةً من عمائمِ الحكماءِ
منحتْ سوددًا وحليةَ مجدٍ ... ووقارٍ بادٍ على العظماءِ
لا محيصٌ عن المشيبِ أو المو ... تِ فكنْ للحوباءِ أو للنماءِ
إنَّ عمرًا عوضتُ فيه من المو ... تِ بشيبٍ من أعظمِ النعماء
وقال محمود الوراق في ذم الخضاب
يا خاضبَ الشيبِ الذي ... في كل ثالثةٍ يعودُ
إن النصولَ إذا نضا ... فكأنه شيبٌ جديدُ
وقال ابن المعتز يعتذر من ذلك المتقارب
وقالوا النصولُ مشيبٌ جديدُ ... فقلتُ الخضابُ شبابٌ جديدُ
إساءةُ هذا بإحسانِ ذا ... فإنْ عادَ هذا فهذا يعودُ
وقال آخر في الصلع
لعمركَ إنني وأبا ربيعٍ ... على ريب الحوادثِ والمنونِ
كلانا كلُّ شيءٍ من قفاهُ ... إلى الخدينِ من رأسِ الجنينِ
وقال آخر
قالتْ سليمى والكبيرُ يصلعُ ... ما رأسُ ذات إلا جبينٌ أجمعُ
وأنشد ابن الأعرابي
برى رأسه بارٍ بغيرِ حديدةٍ ... فمفرقهُ من بين أذنيهِ أجمعُ
حفافانِ مثل القذتينِ وهامةٌ ... يزلُّ الذبابُ الثقفُ عنها فيصرعُ
وقال آخر:
برى أعظمى مر الزمان الذي مضى ... وبدلت من رأسٍ ثلاثة أرؤسِ
حفافان مثل القذتين وهامةُ ... يزل الذباب الثقف عنها فيفرس
باب ٤٣ في
الشعر
ومن حسن التشبيه في ذكر الشعر قول حبيب بن أوس الطائي
ووالله لا أنفكُّ أهدِي شواردًا ... إليك يحملنَ الثناءَ المنخلا
تخال بها بردًا عليك محبرًا ... وتحسبها عقدًا عليك مفصلا
ألذَّ من السلوى وأطيبَ نفحةً ... من المسكِ مفتوقًا وأيسرَ محملا
أخفَّ على روحٍ وأثقلَ قيمةً ... وأقصرَ في سمعِ الجليسِ وأطولا
ويزهى بها قومٌ ولم يمدحوا بها ... إذا مثلَ الراوي بها أو تمثلا
وقال عديّ بن الرقاع
وقصيدةٍ قد بتُّ أجمعُ بينها ... حتى أقومَ ميلها وسنادها
1 / 48