والحق أن ابن الفارض شخصية فريدة بين شعراء مصر، وقد اشتركت في تكوينه ثلاث بقاع : الشام وفيها أصله، والحجاز وإليه حنينه، ومصر وفيها مقامه. فهو شاعر مصر والشام والحجاز، وله في هذه الأقطار الثلاثة محبون يرونه مترجما لأدق ما يضمرون من نوازع القلب والوجدان.
غرامه
وابن الفارض مدين بخلود شعره إلى نزعته الصوفية، ولولا التصوف لانطمس ذكره منذ زمان؛ لأن له في فنون الشعرية أساتذة لا يشق لهم غبار: فله في الخمريات منازع خطير هو أبو نواس، وله في الحنين إلى الحجاز إمام لا نظير له ولا مثيل: هو الشريف الرضي،
2
وله في الصبابة سيد هو العباس بن الأحنف، وما يكاد شعر ابن الفارض يخرج عن الصبابة والحنين والخمريات.
فالمعاني الرمزية عند ابن الفارض هي السر في إقبال الناس على شعره، ولولا ذلك لانصرفوا عنه، ورأوه أخف من أن ينصب له ميزان.
وفي رأيي أن العناية بشعر ابن الفارض كانت فاتحة جديدة في وزن المعاني بعد أن ظل الناس أزمانا طوالا يحرصون قبل كل شيء على وزن الألفاظ، وهو من وجهة الديباجة وقوة السبك شاعر ضعيف، ولكنه من حيث المعاني فحل من الفحول؛ لأنه استطاع الجمع بين الحقيقة والخيال، والحقيقة عند هذا الشاعر هي الصورة الروحية، أما الخيال فهو الصورة الحسية التي رمز بها إلى المعنويات.
ويمتاز ابن الفارض بقوة الروح، وحسبنا أن نذكر أنه ألهم في منامه هذين البيتين:
وحياة أشواقي إلي
ك وحرمة الصبر الجميل
Bog aan la aqoon