46
الشخصية الثالثة شخصية القاشاني شارح الفصوص المتوفى سنة 887، وهذا الرجل يختلف عن الشعراني كل الاختلاف، فهو يفهم أن ابن عربي يقول: بوحدة الوجود، وهو يشرح الفصوص على هذا الأساس. وشرح القاشاني يستحق الدرس؛ لأن مؤلفه من المفكرين؛ ولأن فيه حقائق لا يطوف بها إلا قليل من العقول.
ولنذكر على سبيل المثال ميلاد عيسى عليه السلام، فإن القاشاني يكاد يجعله ميلادا طبيعيا ويوافق ابن عربي في أن جسم عيسى خلق من ماء محقق من مريم وماء متوهم من جبريل سرى في رطوبة ذلك النفخ، ويقرر أن جبريل لما دنا من مريم في صورة البشر تحركت شهوتها بحكم البشرية؛ لأن أكثر هيجان الشهوة في النساء وقت النقاء من الحيض، وكان انتباذها للاغتسال وقت انقطاع الدم، وكان الوقت وقت غلبة الشهوة ففرحت بدنو هذا الشاب المليح فاحتلمت وجرى ماؤها مع النفخ إلى الرحم النقي الطاهر فعلقت، وخلق عيسى من ماء محقق من مريم وماء متوهم متخيل من نفخ جبريل؛ لأن النفخ من الحيوان رطب فيه أجزاء لطيفة مائية بالفعل مع أجزاء هوائية سريعة المصير إلى الماء.
ثم يقول:
وأما كون عيسى على صورة البشر فلانتسابه إلى أمه ولتمثل جبريل في صورة البشر السوي، فكان تكونه على السنة المعتادة والحكمة المتعارفة؛ ولأن أشرف الصور هي الصورة الإنسانية المخلوقة على صورة الله تعالى المكرمة عند الله؛ ولأن الله لا يتجلى في الحضرات الإيجادية إلا في صورة النوع الذي يوجده؛ ولهذا لما خمر طينة آدم بيده أربعين صباحا كان متجليا في صورة إنسانية.
47
وبقليل من التأمل نفهم أنه يكاد يصرح بالامتزاج بين الطبيعة الإنسانية والطبيعة الإلهية، وذلك هو القول بوحدة الوجود.
وجملة الأمر أن القاشاني يساير ابن عربي مسايرة تامة، ابن عربي الذي يعرفه هو، لا ابن عربي الذي يعرفه الشعراني، فإن الفرق بين الشخصيتين بعيد.
تأثيره في الجيل الحديث
ولكن هل وقف تأثير ابن عربي عند البيئات الإسلامية؟
Bog aan la aqoon