Tasawwuf Wa Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Noocyada
قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرا يا موسى؛ إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه.
ثم روى الحديث بقية القصة كما وردت في القرآن الكريم. وختام الحديث قوله صلوات الله وسلامه عليه: «لوددنا لو صبر موسى حتى يعرض علينا من أمرهما.»
1
الخضر على علم من علم الله علمه إياه لا يعلمه موسى، وموسى على علم علمه له الله لا يعلمه الخضر؛ فالعلم إذن علم الله، يهب منه ما يشاء لمن يشاء، والعلم صفة من صفات الله يفيض منه على عباده بنسب حكمتها عند فاطر السموات والأرضين، وسرها عند من أوحى إلى النحل، وأنطق النمل، وألهم الطير تسبيحه، يقول تعالى:
كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا .
ويقول الغزالي في الرسالة اللدنية مفصلا بين العلمين الباطني والظاهري، ومدللا على شرف العلم اللدني وسيادته: «وبيان هذا يوجد في قصة آدم - عليه السلام - والملائكة، فإنهم تعلموا طول عمرهم، وحصلوا بفنون الطرق كثيرا من العلوم حتى صاروا أعلم المخلوقات، وأعرف الموجودات، وآدم - عليه السلام - ما كان عالما؛ لأنه ما تعلم وما رأى معلما، فتفاخرت الملائكة عليه فقالوا: نحن نسبح بحمدك ونقدس لك، ونعلم حقائق الأشياء، فرجع آدم - عليه السلام - إلى باب خالقه، وأخرج قلبه عن جملة المكونات، وأقبل بالاستعانة على الرب تعالى، فعلمه جميع الأسماء، ثم عرضهم على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين؟ فصغر حالهم عند آدم، وقل علمهم، وانكسرت سفينة جبروتهم، فغرقوا في بحر العجز! قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا، فقال تعالى:
يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فأنبأهم آدم - عليه السلام - عدة مكنونات العلم ومستندات الأمر، فتقرر الأمر عند العقلاء أن العلم الغيبي اللدني أكمل من العلوم المكتسبة.»
وإذن فالعلم اللدني مقرر في أصول الشريعة الإسلامية، مبين اللحن في القرآن والسنة المحمدية، ولكن ومن عجب أن المتصوفة قد هوجموا هجوما عنيفا قاسيا بسببه من العقليين والفقهاء، وخاصة فقهاء الحنابلة، الذين كان إمامهم الجليل أحمد بن حنبل من رءوس التصوف وأعلامه بأخلاقه وتعبداته ولون حياته، وهو القائل: «ليس العلم بكثرة التلقين والرواية، وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من أحبه وأطاعه.»
وأعجب من هذا العجب أنهم يهاجمون هذا العلم الصوفي في موقف النقد للمتصوفة، ثم يقررونه في مواقف أخرى إذا راق لهم الأمر، فابن تيمية - وهو رأس تلك الطائفة الناقدة المجرحة - يشرح في رسالته معنى الوحي ثم يعقب قائلا: «والإلهام بالمعنى السالف للمؤمنين جميعا بيقين.» ثم يتحدث عن الفيض الرباني فيقول: «وهو لمن أطاع الله واتقاه.» ويستشهد على ذلك بالآيات والأحاديث مهللا ومكبرا لحديث أبي هريرة، الذي رواه البخاري عن رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه: «... ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها.» ثم يقول: وهذا الحديث غاية الغايات في الإلهام والفيض.
ويقول ابن القيم - تلميذ ابن تيمية الأكبر - في كتابه «الوابل الصيب»: «الذكر شجرة، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها كان أعظم لثمرتها، فالذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد.»
Bog aan la aqoon