Tasawwuf: Kacdoonka Ruuxiga ah ee Islaamka
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Noocyada
وقد انصرفت عناية بعض المتأخرين من الصوفية إلى ناحية الكشف ورفع الحجاب عن عالم الغيب، فكثر كلامهم فيها وادعاءاتهم لها، وكانت طريقتهم في ذلك مجاهدة النفس وتصفية القلب من كل ما سوى الله وتغذية الروح بالذكر والأدعية والإكثار من النوافل، وكثر كلامهم في حقائق الموجودات العلوية والسفلية، وادعوا أنهم يدركون الواقعات قبل حدوثها، وأنهم يتصرفون بهممهم وقوى نفوسهم في الموجودات السفلية بحيث تصير طوع إرادتهم، ولهم في ذلك حكايات تربو على الحصر مما يعد عادة من كراماتهم.
فأهم مميزات هذا الدور اصطباغ التصوف بصبغة ثيوسوفية غنوصية، وتنظيم الطريق الصوفي الذي خطط فيه الصوفية معارج روحية، كل منها - بأسلوبه الخاص - يؤدي إلى الله ومعرفته، وأبرز مظاهره أن «التجربة الصوفية» أصبحت المحور الذي تدور حوله حياة الصوفي، فهو ينظمها ويحللها ويراقبها ويفسر بها في النهاية نظرياته؛ ولذلك أمكن أن يقال إن علم التصوف استبطان منظم للتجربة الدينية، وهذا الوصف أصدق على تصوف هذا الدور منه على تصوف أي دور آخر. •••
ظهرت في هذا الدور مدارس صوفية كثيرة ونبغ فيه من كبار المشايخ من لا يحصون عدا، وهي مدارس تتلاقى عند المعالم العامة في الطريق الصوفي، وتختلف اختلافا قليلا في اتجاهات وتفاصيل مذاهبها، وأهم هذه المدارس على الإطلاق: مدرسة بغداد ومؤسسها أبو عبد الله الحارث المحاسبي المتوفى سنة 243، ومدرسة مصر والشام ومؤسسها ذو النون المصري المتوفى سنة 245، ومدرسة نيسابور ومؤسسها حمدون القصار المتوفى سنة 271، وسنكتفي بذكر أشهر رجال هذه المدارس والنظريات الغالبة فيهم.
أما مدرسة بغداد فأكبر ممثل لها مؤسسها المحاسبي كما قلنا، وقد صحب المحاسبي أو صحب من صحبه وأخذ عنه بطريق مباشر أو غير مباشر كل من ينتمي إلى هذه المدرسة أمثال: أبي القاسم الجنيد المتوفى سنة 298، وأبي حمزة البغدادي المتوفى سنة 289، وأبي الحسين النوري المتوفى سنة 295، وأحمد بن مسروق المتوفى سنة 298، وأبي بكر إسماعيل بن إسحق السراج المتوفى سنة 286، وأبي الحسن سري السقطي المتوفى سنة 253، وكثير غيرهم.
وتحوم نظريات هذه المدرسة حول المسائل الصوفية الآتية: (1)
التوحيد بمعناه الكلامي والصوفي، وما يتصل بذلك من مسائل المعرفة بالله والمحبة الإلهية والفناء في الله والبقاء به. (2)
النفس وآفاتها، والأحوال والمقامات الصوفية؛ كالوجد والشوق والقرب والأنس والغيبة والحضور والإيثار والذكر والتوبة ورؤية الله في الدنيا والآخرة.
ومنهج المحاسبي في التصوف منهج منطقي تحليلي يظهر فيه إدراكه للصلة بين الأسباب ومسبباتها في تطور الحياة الروحية: من ذلك تحليله لأسس العبادة حيث يقول: «أساس العبادة الورع، وأساس الورع التقوى، وأساس التقوى محاسبة النفس، وأساس المحاسبة الخوف والرجاء، والخوف والرجاء يرجعان إلى العلم بالوعد والوعيد، وفهم الوعد والوعيد يرجع إلى تذكر الجزاء، وتذكر الجزاء يرجع إلى الفكر والاعتبار.»
6
أي إن الإنسان إذا فكر في نفسه وفي الخلق واعتبر، أدى به ذلك عن طريق السلسلة السالفة الذكر إلى عبادة الله عبادة صادقة . ليس هذا تصوفا ساذجا بسيطا، بل هو تصوف منهجي له منطقه الخاص.
Bog aan la aqoon