Tasawwuf: Kacdoonka Ruuxiga ah ee Islaamka
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Noocyada
15
إن جوهر التصوف عند الجنيد هو الفناء عن الذات والبقاء بالله، أو هو الوصول إلى حال يكون فيها الحق سمع العبد وبصره على حد تعبير الحديث القدسي، وفي هذه الحال يصبح الوجود الذاتي المتعين وجودا أتم وأكمل عن طريق البقاء بالله، وفي الله، ولكنها حال لا تدوم، فإن العبد يعود بعدها إلى حال من الصحو يشعر فيها باثنينية المحب والمحبوب، فيستأنف الحنين إلى محبوبه من جديد ويشتاق إلى الاتصال به، وهكذا يتردد الصوفي بين حالتي الفناء والبقاء، أو حالتي الجمع والفرق: الاتصال بالمحبوب والانفصال عنه، أو حالتي الغيبة والحضور، وفي الحالة الأولى يحس الصوفي بسعادة ليس فوقها سعادة إذ يحيا بكليته في محبوبه، وفي الثانية يشعر بالغصة والحسرة لتوقف المشاهدة.
وقد ذكرنا كل ذلك على أنه نظرية الجنيد في «الفناء»، والحقيقة أنه عين نظريته في الحب الإلهي أيضا: إذ الفناء الصوفي والحب الإلهي وجهان لحقيقة واحدة، والصوفي الفاني هو الصوفي المستغرق في حب الله. فبالحب الإلهي يحيا الصوفي، وفي تمام الحب وكماله يكرس حياته ومجاهداته، فإذا تحقق له ذلك فقد وفى بالميثاق الذي قطعه على نفسه أمام الله في عالم الذر، وحظي بالاتصال به وبمشاهدته، وإذا انقطعت عنه مشاهدة محبوبه - وذلك في حال صحوه - اتجه إلى الآثار الجميلة في عالم الخلق فاستأنس بها ومنحها حبه لأنها آثار محبوبه. يقول الجنيد: «ومن ها هنا (أي في حالة الفقد) عرجت نفوس العارفين إلى الأماكن النضرة والمناظر الأنيقة والرياض الخضرة - وكان ما سوى ذلك عذاب عليهم - مما تحن إليه من أمرها الأول الذي تشمله الغيوب ويستأثر به المحبوب.»
16 (3) ذو النون المصري
أما أبو الفيض ذو النون المصري: فما يقال عن أقواله في المسائل الصوفية بوجه عام، يقال عن أقواله في المحبة الإلهية بوجه خاص، وهو أنها موضع شك الباحثين في تفاصيلها على الأقل؛ وذلك لأن شخصيته في العالم الإسلامي شخصية شبه أسطورية حيكت حولها القصص المتصلة بالكرامات وخوارق العادات، ونسبت إليها الأقوال التي يتعذر في كثير من الأحيان التأكد من أصالتها.
ولكن الذي لا شك فيه هو أن ثقافة ذي النون تتصل اتصالا وثيقا بالتراث المصري اليوناني الذي كان شائعا في مصر إلى عهده، يدل على ذلك ما أثر عنه من أقوال في المعرفة الصوفية وفي المقامات والأحوال والمحبة الإلهية، وهو في كل هذا واقع تحت تأثير الفلسفة الأفلاطونية الحديثة المتأخرة والفلسفة الهرمسية، وبهذا يختلف عن الحارث المحاسبي والجنيد من مدرسة بغداد، وعن أبي يزيد البسطامي والترمذي من مدارس شرقي إيران.
وأسلوب ذي النون في المحبة الإلهية أسلوب قوي متأجج العاطفة، لا هو بالأسلوب الهادئ المنبعث رأسا من تعاليم الدين كأسلوب المحاسبي، ولا هو بالأسلوب الميتافيزيقي الغامض المتغلغل في أعماق التحليل الصوفي كأسلوب الجنيد، بل هو أسلوب واضح رقيق جميل تغلب عليه الشاعرية وتتدفق فيه العاطفة الدينية؛ ولهذا كانت أقواله في المحبة الإلهية أبلغ أثرا في أوساط الصوفية من أقوال غيره.
وقد يقال إن في بعض ما أثر عنه من أقوال في المحبة الإلهية نفحة من نفحات وحدة الوجود؛ لأنه لا يرى في الوجود شيئا إلا رأى الله فيه، ولكن القول بوجود نظرية في وحدة الوجود في هذا العصر المبكر من عصور التصوف مبالغة لا مبرر لها، والأولى أن توصف أقوال أمثال ذي النون المصري والجنيد، بل وأبي يزيد البسطامي، بأنها نفثات قلوب فاضت بالمحبة الإلهية واستبدت بها وحدة الشهود لا وحدة الوجود كما أشرنا إلى ذلك مرارا.
يقول ذو النون في أحد أدعيته:
إلهي ما أصغي إلى صوت حيوان ولا حفيف شجر ولا خرير ماء ولا ترنم طائر ولا دوي ريح ولا قعقعة رعد، إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالة على أنه ليس كمثلك شيء وأنك غالب لا تغلب، وعالم لا تجهل، وحليم لا تسفه، وعدل لا تجور. إلهي فإني أعترف لك بما دل عليه صنعك، وشهد له فعلك. فهب لي اللهم طلب رضاك برضاي، ومسرة الوالد لولده بذكرك لمحبتي لك، ووقار الطمأنينة وتطلب العزيمة إليك؛ لأن من لم يشبعه الولوع باسمك، ولم يروه من ظمئه ورود غدران ذكرك، ولم ينسه جميع العلوم رضاه عنك ... ولم يقطعه عن الأنس بغيرك مكانه منك: كانت حياته ميتة، وميتته حسرة، وسروره غصة، وأنسه وحشة.
Bog aan la aqoon