Tasawwuf: Kacdoonka Ruuxiga ah ee Islaamka
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Noocyada
9
وروي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال لأخ له في الله: «إن كنت تحب أن تكون لله وليا وهو لك محبا؛ فدع الدنيا والآخرة ولا ترغبن فيهما، وفرغ قلبك منهما، وأقبل بوجهك على الله يقبل الله بوجهه عليك ويلطف بك؛ فإنه بلغني أن الله تعالى أوحى إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام: يا يحيى قضيت على نفسي ألا يحبني عبد من عبادي أعلم ذلك منه، إلا كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي يتكلم به، وقلبه الذي يفهم به. فكلما كان كذلك، بغضت إليه الاشتغال بغيري، وأدمت فكرته وأسهرت ليله وأظمأت نهاره.»
10
وربما كان أبرز شيء في عبارة المحاسبي إشارته إلى «الفوائد» الروحية التي يلقيها الله في قلوب محبيه فتنطق بها ألسنتهم، ويكون النطق بالمحبة على قدر نور الفائدة، وليس لنا أن نتكلم عن ماهية تلك الفوائد وكيفياتها فهي من صميم الحياة الصوفية التي لا يعلمها إلا الذين يعالجونها، ولكن أقرب ما نستطيع أن نصفها به أنها تلك المعاني الذوقية التي يشعر بها الصوفي في حال قربه من الله كالشعور بالأمن والطمأنينة والغبطة والحرية من أسر الأنانية ونحو ذلك. (2) أبو القاسم الجنيد
بأبي القاسم الجنيد البغدادي وصل التصوف الإسلامي في القرن الثالث إلى ذروته، وهو من غير شك أعمق صوفية هذا القرن روحانية وأكثرهم خصبا، كما أنه أكثرهم دقة وأعسرهم فهما، وقد كان للصوفية قبل الجنيد لمحات إشراق وإشارات إلى بعض جوانب الحياة الروحية، ولكن الجنيد وقف من هذه الحياة في القمة، ونظر إلى ميدان التصوف نظرة شاملة، ووضع كما يضع الفنان الماهر صورة كاملة جامعة للتصوف لم يسبقه إليها سابق، وأفرغ هذه الصورة في قالب تحليلي عميق في رسائله وخطاباته القصيرة إلى إخوانه.
11
ولا يمكن فهم نظرية الجنيد في «المحبة الإلهية» إلا في ضوء نظريات أخرى له هي أعم وأشمل: أعني نظرياته في التوحيد والفناء وحقيقة الروح الإنسانية، وقد شرحنا نظريته في التوحيد في مكان آخر من هذا البحث، ولكنا مع ذلك لا نرى بأسا من ذكر بعض معالم هذه النظرية مرة أخرى لصلتها الوثيقة بموضوعنا هنا.
يرى الجنيد أن أرواح البشر آمنت منذ الأزل بالله وأقرت بتوحيده وهي لم تزل بعد في عالم الذر وقبل أن يخلق الله العالم والأجسام المادية التي هبطت تلك الأرواح إليها، وأن هذا هو «التوحيد» الكامل الخالص لأنه صدر عن أرواح مطهرة مجردة عن أعراض البدن وآفاته، موجودة لا بوجودها المتعين الخاص، بل وجود الحق ذاته، وفي ذلك يقول: «فقد أخبرك عز وجل (أي في آية الميثاق وهي:
وإذ أخذ ربك من بني آدم
إلخ) أنه خاطبهم وهم غير موجودين إلا بوجوده لهم؛ إذ كان واجدا للخليقة بغير معنى وجوده لأنفسها، بالمعنى الذي لا يعلمه غيره ولا يجده سواه، فقد كان واحدا محيطا شاهدا عليهم، أبديا في حال فنائهم.»
Bog aan la aqoon