Tarjama Fi Calam Carabi
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
Noocyada
إن جناحي النهضة أو البناء الحضاري هما معا وفي آن واحد الإبداع المحلي قرين استيعاب إنجازات الآخرين، ويصبح هذا النهج أكثر ضرورة وإلحاحا في عصر الترابط الشبكي بين المجتمعات في عصر العولمة.
يؤكد أوباما في خطابه أن الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم بإنجازاتها وتاريخها وتطلعاتها شهادة على روح الفضول المعرفي لدى الأمريكيين، الروح الذي لا يهدأ ولا يستقر له قرار، ويتطلع دوما إلى آفاق لا حدود لها لإنجاز ودعم، ليس المشروع العلمي وحده، بل دعم التجربة الحية المطردة التي نسميها أمريكا.
وانعقد هذا الأمل مع إصدار إبراهام لنكولن قانون إنشاء الأكاديمية الوطنية للعلوم على الرغم من نشوب الحرب الأهلية، ولكنه كان يؤمن أن مستقبل أمريكا ونهضتها رهن العلم.
ويضيف قائلا: رفض إبراهام لنكولن الرأي القائل: إن الهدف الوحيد لأمتنا هو مجرد البقاء. ولكنه أضاف بإنشائه الأكاديمية الوقود اللازم لإثارة الاهتمام وتأجيج عبقرية الاكتشاف.
واستطرد قائلا: ولكن كل مجالات النشاط في الولايات المتحدة تعاني الآن تحديات، وتعيش أزمة؛ أزمة تدني الاستثمار في مجال البحث العلمي على الرغم من ضرورته الحيوية لرخائنا وأمننا وصحتنا وبيئتنا ولنوعية الحياة الجيدة. لقد انخفض حجم التمويل الفيدرالي للبحث العلمي إلى حوالي النصف، وتخلفت مدارسنا عن مستويات مدارس بلدان أخرى متقدمة، بل وعن مستويات بعض الأقطار النامية. وأصبح طلاب مدارسنا دون المستوى في الرياضيات والعلوم بالقياس إلى نظرائهم في سنغافورة واليابان وإنجلترا وهولندا وهونج كونج وكوريا وغيرها. هذا على الرغم من أن الولايات المتحدة التزمت منذ أكثر من نصف قرن بأن تقود العالم بقدراتها الريادية في مجال الإبداع العلمي والتكنولوجي، وكذا الاستثمار في التعليم وفي البحوث والهندسة والسباق في الفضاء.
وأضاف: وندرك جميعا أن بحوث العلوم الأساسية هي رأسمال علمي، ونعرف أيضا أن إمكانات الأمة للاكتشافات العلمية تحددها القدرات المالية والبحثية العلمية التي يوفرها المجتمع للباحثين. واتخذت قراري الذي يقضي بأن الأيام التي فرضت على العلم في الولايات المتحدة أن يحتل مكانا خلفيا تابعا للأيديولوجيا قد انتهت؛ ذلك لأن تقدم أمتنا وتقدم قيمنا يمتد بجذوره إلى حرية البحث. لهذا فإن تقويض سلامة ووحدة وحرية العلم تقويض للديمقراطية. وحري أن تتأسس السياسات الفيدرالية على أفضل قاعدة من المعلومات العلمية الأبعد ما تكون عن الانحيازات الأيديولوجية؛ إذ يجب أن نؤكد أن الحقائق الموضوعية هي ركيزة قراراتنا وليس الأيديولوجيا.
واستطرد قائلا: نحن بحاجة كذلك إلى العمل مع أصدقائنا في العالم؛ ذلك أن العلم والتكنولوجيا والإبداع نشاطات تتسارع حركتها أكثر فأكثر بفضل تقاسم الجهد والاستبصارات والكلفة المالية والمخاطر. وندرك أيضا أن تقدم ورخاء الأمة وأجيال المستقبل رهن ما نقدمه لهم من غذاء تعليمي؛ لهذا أعلن التزامنا بالنهوض بالتعليم في مجالي الرياضيات والعلوم؛ إذ إن هذه هي سبيلنا لكي يحتل طلابنا مكانة أرفع مستوى. إن الأمة التي تتفوق في التعليم اليوم هي التي ستبز غيرها وتفوز عليها في المستقبل. إنني أحثكم على التزام روح التحدي لكي تستثمروا حبكم للعلم والمعرفة العلمية لتأجيج حاسة الدهشة والإثارة والتساؤل والمغامرة المعرفية لدى جيل جديد.
حري أن نقرأ هذا بعقل نقدي واع، نقدي للذات وللآخر، يعتمد الموضوعية العلمية، ويعتمد منهج المقارنة بين حالنا وحال أمة قادت العالم على مدى قرن، هو القرن العشرون، حتى أطلق عليه الباحثون صفة «القرن الأمريكي». وتواجه الولايات المتحدة، القطب العالمي الأول ثم الأوحد قرابة قرن من الزمان، تحديا حقيقيا من الصين والهند. وإنها إذ تنظر إلى نفسها نظرة نقدية في مرآة واقعها ومرآة البلدان المنافسة، تكشف بصدق الباحث عن الحقيقة في ضوء رؤية نقدية علمية، عن أوجه القصور الحقيقية ومظان الإصلاح الفوري بعزيمة صادقة؛ لضمان اطراد الريادة أو على الأقل عدم التراجع لتحتل مرتبة ثانوية. بيد أنها يؤرقها الخوف من المستقبل القريب، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الراهنة على الرغم من أنها لا تزال البلد الأقوى اقتصاديا وعلميا.
والسؤال لنا - عن أنفسنا في ضوء ما سبق: ماذا أعددنا نحن للنهوض بمجتمعاتنا وإنقاذها من مهاوي التخلف الذي استسلمنا له عمليا وإن كنا ندينه كلاما ورطانا. وهذا هو ما يحدث ويتكرر دون ملل عند الحديث عن الترجمة ونقل المعرفة.
واقع الترجمة موضوع كاشف لحال المجتمع في ضوء أبعاد متعددة؛ البعد المعرفي والثقافي والعلمي والتعليمي والإبداعي، وهي جميعا متشابكة في جديلة أو منظومة واحدة ذات عمق تاريخي اجتماعي، وأيضا ذات مدلول اقتصادي سياسي. أو لنقل بمعنى آخر: إن نشاط الترجمة دال على نشاط المجتمع جملة في حركة هذا المجتمع سلبا أو إيجابا، تقدما أو نكوصا على صعيد السباق الحضاري. ونلحظ أنه على الرغم من تواتر الحديث في كل أنحاء العالم العربي عن الترجمة ونقل المعرفة خلال السنوات الأخيرة، إلا أننا لم نخط خطوة عملية حقيقية على طريق الكشف، ومن ثم معالجة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تدني مستوى الترجمة.
Bog aan la aqoon