Tarjama Fi Calam Carabi
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
Noocyada
والكتاب يقول: إن موقفنا من الترجمة هو تعبير عن موقفنا من المعرفة إنتاجا إبداعيا، وتحصيلا لها من كل مصادرها المتعددة المتباينة، والتزاما بمنهجية الإنتاج والتحصيل في ضوء عقل ناقد. ويقول الكتاب من واقع الإحصاءات: إننا منصرفون عن القراءة، وعن المعرفة الحضارية العلمية المعاصرة، وإننا لا نزال نعيش عصر الشفاهة. ركونا إلى وجود فرد له الهيمنة حاضرا، أو من ماضيه البعيد، نظن به الحكمة المتفردة، وامتلاك ناصية المعرفة، فيه الكفاية، وله الأمر، وتعطيل لفكر الإنسان العام.
والكتاب يقول: إن شروطا وجودية تحكم حياتنا الثقافية صرفتنا عن الإنتاج المعلوماتي، والإبداع الفكري، والتنسيق المعرفي، ووأدت فينا الفضول والنهم لتحصيل معارف الآخرين، واكتساب أسباب وأسس الحضارة وتوطينها. وبتنا نعيش عيالا على الآخر في إنتاجه الثقافي والمعرفي، مستهلكين تابعين؛ ولذلك لسنا طرفا في حوار أو صراع الحضارات.
وتعطلت أو انحسرت الترجمة كنشاط اجتماعي، وهي إحدى أدوات تمكين المجتمع من التفاعل مع الجديد في العلوم والفنون والإنسانيات قرينة الإبداع المحلي، ولكننا نصرخ من موقع الضعف والخواء. الغزو الثقافي يتهدد الهوية، بينما الهوية ليست: من أكون؟ بل: ماذا أفعل؟ ليست الهوية ذكرى ماض تاريخي، بل انخراط إيجابي في الفعل الحضاري. والترجمة قوة تحرير، وأداة تمكين، وشرط للاستقلال، وليست أبدا عونا لغزو فكري حين يتلقاها عقل فاعل ناقد.
تفيد الإحصاءات الواردة في الكتاب أن البلدان العربية تحتل موقعا شديد التدني، ليس فقط بالنسبة لدول المركز المنتجة مرحليا للمعارف، بل وبالنسبة لبلدان الأطراف المجاهدة لاحتلال موقع متقدم على صعيد التحدي الحضاري. العالم العربي كله وتعداده يناهز 270 مليونا يترجم ما لا يزيد عن 450 عنوانا، وانخفض إلى أقل من ذلك بعد أن كف العراق عن الفعل إثر الاحتلال الأمريكي . والملاحظ أنه من بين هذا العدد لا تحتل العلوم، ولا تحتل الكتب التي تصوغ عقلا علميا وعلمانيا، إلا نسبة ضئيلة جدا، تصل عند الدول العربية المنتجة للترجمة إلى 2,5 بالمائة. هذا بينما إسبانيا وتعدادها 38 مليون نسمة تترجم أكثر من عشرة آلاف عنوان سنويا، وتترجم السويد وتعدادها 9 ملايين نسمة 2500 عنوان سنويا، منها ألف عنوان تقريبا أعمال أدبية، وألف عنوان دراسات غير أدبية؛ أي علمية، و500 عنوان من كتب الأطفال (تتس روك: المستعرب والمترجم والأستاذ بجامعة أوسلو السويد). وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية تترجم تراث البلدان الأخرى لتكون هي بنك أو مصدر المعلومات للعالم، وفق الصياغة الأيديولوجية التي تراها هي، ومن ذلك كتب عن الطب في مصر الفرعونية، وعن التراث الإسلامي.
وفي دراسة للدكتور محمود إسماعيل صالح الصيني، الأستاذ بجامعة الملك سعود، نرى مثالا آخر. تشير الدراسة إلى أن سلاح الجو الأمريكي في عام 1978 ترجم حوالي 75 ألف صفحة؛ أي ما يعادل 250 كتابا في دراسات تخصه، مع العلم بأن الإنجليزية لغة حضارة العصر الأولى. وتشير الدراسة أيضا إلى أن هيئة حكومية واحدة هي هيئة الخدمات المشتركة للمنشورات البحثية، والتابعة للمكتب الفيدرالي للمعلومات العلمية والثقافية في وزارة التجارة الأمريكية، ترجمت خلال النصف الأول من العقد السابع حوالي 274 ألف صفحة؛ أي حوالي 910 كتب. واللافت للنظر أنه في الوقت الذي أجاز فيه نظام التعليم في مصر، في إحدى المراحل، نجاح التلاميذ مع رسوبهم في مادتين، وقع اختيار التلاميذ على الإنجليزية والرياضيات، وهما المادتان اللازمتان للاطلاع والتفاعل مع إنجازات العصر؛ أقول: في هذا الوقت أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعا عام 1958م يحمل اسم
Title lv Defence Act ، يقضي بتشجيع تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الأمريكية، باعتبار هذا قضية أمن قومي، ونجد في الولايات المتحدة أيضا أن وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» مولت إعداد دليل يضم عناوين الهيئات التي توفر المواد العلمية والتقانية المترجمة إلى الإنجليزية داخل الولايات المتحدة. وصدر هذا الدليل عام 1987م، ويتألف من 32 صفحة تشمل فقط عناوين تلك الهيئات التي يعتبرونها مصدرا لترجمة إنجازاتها العلمية العالمية فور صدورها. ومرة أخرى أقول: على الرغم من أن الإنجليزية هي اللغة الأولى في المنشورات العلمية.
وأشار الكتاب إلى جهود اليابان التي وصلت بها إلى ما هي عليه الآن.
عمدت اليابان، منذ مطلع القرن، إلى الاتفاق مع أهم دور النشر العالمية لترجمة أعمالها، وصدورها باللغة اليابانية في ذات الوقت الذي تصدر فيه بلغتها الأصلية. وكانت اليابان تترجم في مطلع القرن أكثر من 1700 عنوان في السنة، ويتجاوز العدد الآن 35 ألف عنوان. إنه نهم التحصيل لإنجازات العصر. ولم تفقد اليابان هويتها، بل تعززت.
ويشير الكتاب إلى أن إنتاج إسرائيل في الترجمة يعادل إجمالي إنتاج البلدان العربية، هذا على الرغم من أن المجتمع الإسرائيلي متعدد الألسنة، إضافة إلى العبرية. وأسست إسرائيل عام 1959م برنامجا للترجمة العلمية تنفذه مؤسسة هي أكبر مؤسسة حكومية متخصصة ضمت عام 1967م عدد 250 مترجما متفرغا، و1440 مترجما متعاونا من الخارج (د. صفاء محمود عبد العال، التعليم العلمي والتكنولوجي في إسرائيل، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة 2002م).
وحتى نقرن هذا بإصدارات الكتب تأليفا وترجمة، ونصيب الفرد منها؛ نجد الآتي:
Bog aan la aqoon