Tarjama Fi Calam Carabi
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
Noocyada
شوقي جلال
إهداء
إلى من يؤرقهم فعل الحاضر،
وحلم المستقبل؛
حاضر ومستقبل الوطن والإنسان.
شوقي جلال
مقدمة الطبعة الأولى
الترجمة عنصر أساسي من بين عناصر الفعالية الاجتماعية النشطة . فعالية قائمة على المعرفة العلمية؛ إنتاجا لها، وبحثا عنها، وتسامحا معها، وإيمانا بها أساسا للبناء والتجديد. فحياة العصر - بل الحياة الاجتماعية في كل العصور - هي قبول للتحدي الوجودي تأسيسا على المعرفة الاجتماعية وإبداع الجديد. ليس في التاريخ مجتمع ضمن بقاءه ووجوده اقتداء بآخر، أيا كان هذا الآخر في الزمان أو في المكان، يسلم إليه الزمام، ويرتضي حياة الاطراد العشوائي، كأنما أقال العقل الباحث؛ فمثل هؤلاء خارج التاريخ. وإنما ضمان الحياة هو اطراد البناء الحضاري، وهو بناء متجدد أساسه المعرفة، إبداعا ذاتيا، واستيعابا لمعارف الآخرين، في إطار من التنافس ونزوع إلى التفوق.
وهذا الكتاب محاولة نقدية لسبر غور حياتنا الثقافية والفكرية من خلال مؤشر الترجمة، وواقع حالها، بعيدا عن صخب الشعارات، ورطان النعرات، ودغدغة الوجدان؛ وإنما استنفار لقوى الفعل والتحدي في ضوء الواقع، وإن بدا أليما. والتركة وإن كانت مثقلة، إلا على أولي العزم. لهذا أود أن نقرأه وعيوننا على المستقبل وليس على الماضي. قد نرضى أو نهنأ بالقليل في الحاضر، قياسا إلى ماض حديث أو وسيط ساده الخواء الفكري، ونظن - والظن هنا إثم - أننا أنجزنا، وحالنا أفضل، فنخطئ التمييز بين تحول حضري بلغناه بفضل الغير، وتحول حضاري ننشده ولم نبلغه؛ لأننا أخطأنا الوعي بأسسه، ولا يتحقق إلا بفضل جهد الذات. لذلك أحاول هنا أن نرى صورتنا من خلال الآخر، ومقارنة به، لا تمجيدا له، وإنما حفزا للذات، وحثا على قبول التحدي، ودعوة إلى فعل اجتماعي على هدى واقع واضح البيان.
الكتاب يقول - من واقع الإحصاءات: إننا منصرفون عن القراءة، وعن المعرفة الحضارية المعاصرة تحصيلا وإنتاجا، وإننا لا نزال نعيش عصر الشفاهة، وهو ركون إلى فرد نظن به الحكمة المتفردة، وامتلاك ناصية المعرفة، فيه الكفاية، وله الأمر، وتعطيل لفكر الإنسان العام. وبين هذا ومقتضيات التطور الحضاري العصري أزمان. والكتاب يؤكد أننا لسنا دون الآخرين شريطة أن نعقد العزم اجتماعيا، ونهيئ أسباب النهوض. لا نتخذ الثقافة زخرفا وزينة، ولا الاستهلاك معيارا، ولكن نتخذ العلم منهجا وثقافة ومناخا وإنتاجا وتنظيما للحياة؛ فهذه هي بطاقة الانتساب إلى العصر، وتجاوز قرون التخلف. فالإنسان/المجتمع يعيش حياته بين أحد حالين؛ الوضع أو الحركة؛ الوضع سكون ورضاء بالموروث، وقناعة بحكمة القدماء. والحركة فعل نشط ركيزته إبداعات وإنجازات العقل في مستوى العصر. وغذاء الحركة المعرفة؛ فهي ضالة الإنسان/المجتمع إبداعا، وانتزاعا، أو استيعابا من كل مصادرها شرقا وغربا، داخل بنية حاضنة خصيبة. والحركة بهذا المعنى مؤشر الحياة على طريق الارتقاء، وبدونها استسلام للوضع، والثبات في الطبيعة، تحلل للعناصر وفساد للبنية.
Bog aan la aqoon