ووقع صميدة وصاح محمود: ألف مبروك، هيا لا تضيعوا وقتا، اسمع يا صميدة، خذ هذا ثمن أرضي، أبقه معك. - لماذا؟ - لو حاول العمدة أن يرغمني على دفع مبلغ له يجدني لا أملك شيئا. - معقول ... هات المبلغ، ولكن لا تتأخر. إذا لم تبع البيتين في يوم أو يومين دعهما، ولهما عودة. - توكلوا على الله، انزلوا على بيت مسعود الصاحب، أو اجعلوه يعرف عنوانكم. مع السلامة! •••
ورأت حقول التمرة ثلاثة نفر يشقون ظلمات الليل، وكأنهم قطعة منه يتركون وراءهم ذكريات أعمارهم، وماضي أيامهم، وملاعب طفولتهم، ورفات آبائهم وأجدادهم، ومع دمعة في عيونهم كانت تتراءى لهم في ظلمات الليل أضواء أمل في الغد. وإشراقات مستقبل يرجون الله أن يكون هانئا سعيدا.
4
أطال المرض مكوثه في قلب حميدة. وكان البيت جميعه مشغولا بها، حتى العمدة لم يكن يجلس مع الناس في السلاملك إلا ساعة أو بعض الساعة، ثم يرتد إلى داخل بيته يراقب حميدة. فمهما يكن جبارا صلب المشاعر، إلا أنه مع ذلك يظل إنسانا.
وبينما زين الرفاعي جالس بالخارج مع بعض زواره من أعيان التمرة قدم إليه خطاب، وفي محياه جهامة لا تخطئها العين، وعلى شاربيه الكثيفين غضبه. - أريدك في كلمتين يا حضرة العمدة.
وكان الجالسون جميعا يعلمون ما صنعه شملول وصميدة ومحمود، ولكنهم كانوا يحاذرون أن يعرضوا لهذا الحديث حتى لا يثيروا من العمدة ثائرا الله وحده يعلم ماذا هو مدمر في اشتعاله.
وقام العمدة وأدرك الجالسون ما سيلقيه خطاب إلى أذن العمدة، فقام بعضهم يلوذ بالفرار من الإعصار المنتظر، وأقام بعض آخرون وقد تغلب حب الاستطلاع في نفوسهم على الخشية.
وعاد العمدة وهو كظيم يحاول أن يضع على وجهه قناعا من الجمود، فتخونه عروق نافرة، ونأمات نابضة، ونظرات ملتهبة. ولا يقول العمدة شيئا. •••
كان محمود جالسا في بيته متنمرا؛ فقد كان لا ينام الليل متربصا بما قد يصنعه العمدة، حتى إذا لاحت تباشير الصباح كان يختبئ من القرية في مكان مستور وينام.
كان في ليلته تلك جالسا يصنع لنفسه كوب شاي يعينه على السهر، فإذا هو يسمع حفيف ثوب يحاول أن يتخافت، فتحصن وتطلع وانتظر. وفجأة فتح الباب، وانطلق الرصاص، فسارع محمود يجيب الرصاص برصاص، واحتدمت المعركة. وأدرك رجال العمدة أنهم لو استمروا في المعركة، فإنها قد تدور عليهم دوائرها، فأمرهم خطاب أن يتوقفوا، واستداروا قافلين إلى حيث جاءوا. وانتظر محمود حتى أشرقت الشمس، وقام إلى ملابسه جميعها، فوضعها في جوال، وأخذ سمته إلى القاهرة. فليذهب بيته وبيت ابن عمه بددا، ولينج هو بحياته.
Bog aan la aqoon