ونعني بهذا الوصف أنه يكره أذى الناس، وأنه يحب الخير للناس، وأنه حساس لا يجرح قلب المسكين أو المحتاج، وأنه يسارع إلى المعونة، فإذا شئنا التوسع في وصف هذا الرجل الطيب، قلنا: إنه حين يكون ثريا لا يفتخر أمام الفقراء بثرائه، وحين يكون ناجحا لا يتباهى أمام المخفقين بنجاحه، والمرأة الطيبة هي التي لا تشيد بأولادها أمام الزوجة التي حرمت الأولاد، وإذا كانت سعيدة في زواجها تحفظت في وصف سعادتها أمام الزوجة الشقية.
كان النازيون وحوشا في كثير مما دعوا إليه من مبادئ، أو مارسوه من أعمال، ولكنهم أحسنوا المروءة حين ألغوا كلمة «خادم» واستبدلوا بها عبارة «أمين البيت».
والطيبة هي ذكاء القلب الذي قد يخالف أحيانا منطق العقل، وهي التي تحملنا على أن ننسى الفروق الاجتماعية ونذكر أننا سواء في القيم البشرية، لكل منا، مهما حقرت مكانته الاجتماعية، كرامته البشرية.
وذكاء القلب هذا، أو هذه الطيبة، ما زلنا نجدها في بعض الأوساط الريفية التي لم تفسدها الفروق الاجتماعية، هذه الفروق التي تنمو نموا بغيضا في المدن، فقد رأيت بعض المالكين في الريف يأكلون مع عمالهم، وعرفت سيدة كانت تأكل مع خادمتها، والنفس المهذبة هي، بعد كل شيء، النفس الطيبة، وما ذكرناه هنا هو التهذيب الظاهر، ولكن هنا المروءة التي هي مذهب الرجل الطيب، وهو الذي يغيث المحتاج في السر والخفاء، وهو الذي يواسي بكلماته ونقوده من يحتاجون إلى المواساة.
على كل شاب أن يكون طيبا قبل أن يكون ناجحا، وقبل أن يفخر بذكائه أو مكانته أو عمله، يجب أن يفخر بطيبته؛ أي: عليه أحيانا أن يفكر بقلبه ويحس بعقله.
الفصل الرابع عشر
قسوة الرحمة
الرحمة والحنان من أجل العواطف البشرية، ولكن يجب أن يرافقها التعقل والتبصر لمصلحة هذا الشخص الذي نرحمه ونتحنن عليه، فإن في الرحمة أحيانا قسوة تفتت الصلابة وتفكك الأخلاق.
ونستطيع أن نرى «قسوة الرحمة» في الأم التي تدلل طفلها فتلبي جميع طلباته، فينشأ المسكين على أخلاق مترهلة حتى ليبلغ الخمسين أو الستين من العمر وهو لا يزال طفلا يعاند ويتدلل.
ونستطيع أن نرى قسوة الرحمة في أولئك الذين يتصدقون على الصبي أو الشاب القادرين على الخدمة، فيفقد كلاهما شهامته ويذل للاستكداء ويرضى بالتسول وسيلة للعيش، بدلا من أن يعمد إلى رجولته ويعمل ويجد، وهذه الرحمة قد تكون على أقساها وأفظعها حين نتصدق على المريض الذي يحمل في جسمه مرضا معديا كالجذام أو الدرن، فتدفعه رحمتنا إلى أن يتعلق بالترام ويتزاحم بالركاب، ويتخللهم، وينقل عدوى مرضه إليهم.
Bog aan la aqoon