حدث في أثناء الحرب الكبرى الأخيرة أن دعاني نادي «سمطس» وكان أعضاؤه من دولة إفريقيا الجنوبية المتحدة، كي أتحدث إليهم عن مصر وأشرح لهم ما يجهلونه، وكانت سياستهم في ذلك الوقت تتجه نحو الاتحاد معنا باتفاقات اقتصادية وعسكرية.
فلما انتهيت من حديثي سألني «جنرال» من الأعضاء سؤالا غريبا، ولكنني لم أعجب منه؛ لأني كنت أعرف مأتاه من الحال القائمة في إفريقيا الجنوبية، فإنه قال: «لماذا ترضون بالاتحاد مع النوبيين مع أنكم شعب آخر؟.».
وكان يعني بهذا السؤال أن النوبيين سود ونحن بيض أو سمر، وأننا يجب أن نعاملهم كما يعاملون هم السود في إفريقيا الجنوبية؛ أي: نحرمهم من التعليم وحق الانتخاب.
فأجبته بكلمة موجزة تقطع المناقشة، وهي أن هؤلاء النوبيين أقرب إلى الفراعنة منا، ولا تزال لغتهم تحمل المئات من الكلمات الفرعونية، وهم لذلك أكثر مصرية وأحق بمصر.
وليس لهذه الكراهية للسود، التي تبلغ الاشمئزاز أحيانا ، من سبب سوى الاختلاف ، وقد سمى العرب كل من يختلفون عنهم «أعاجم»؛ أي: أنهم خرس، كما سمى الإغريق غيرهم «برابرة»؛ أي: متوحشين، والآن نجد أن البيض في الولايات المتحدة وفي إفريقيا الجنوبية يكرهون السود، وقد كان هتلر يصف الزنوج بأنهم «قرديون» وقد وصفنا سافل من سفلة الكتاب الإنجليز يدعى دجلس سليدن بأننا «صفر زرق» وذلك قبل نحو أربعين سنة، ولكن الاختلاف وحده لم يكن هنا سببا لهذا السباب؛ لأن المبادئ الإمبراطورية كانت خلفه.
وإذا استثنينا القليل من السلالات البشرية في أستراليا وتسمانيا وإفريقيا لا نكاد نجد فرقا في الميزات البشرية بين الصيني والأوروبي، أو بين الأوروبي والزنجي، وقد عرف القراء في الأشهر القليلة الماضية أن الدكتور بانش نائب مجلس الأمن في مسألة فلسطين ينتمي إلى جد زنجي، وكلنا يعرف أن الأديب الروسي بوشكين، وكذلك الأديب الفرنسي ألكسندر دوماس، كانا ينتميان إلى جدين زنجيين.
وهذه الكراهة لمن يختلف معنا أو يخالفنا هي عاطفة بدائية غشيمة يجب أن نهذب أنفسنا منها، وإن كنا لا نستطيع أن ننكر أن الكارهين إنما يتسترون خلف هذه العاطفة أحيانا، ويستغلونها في الشعوب، كي يستطيعوا استخدام الزنوج أو غيرهم من الصفر والسمر بأجور وضيعة تدر عليهم الربح الوفير، فإن الاستعماريين مثلا يقيمون من هذه الكراهية نظرية «علمية» مزيفة قوامها أن السلالات البشرية تختلف في الكفاءة الذهنية، وعندئذ يجدون المنطق الذي يجيز لهم الاستعمار والسيادة والتسلط.
الفصل التسعون
قادة العالم
من الأخبار التي تلتفت إليها صحفنا خبر خطير، بل غاية في الخطورة؛ لأنه يدل على فلسفة جديدة واتجاه جديد، ذلك أن المسيو بوس، وهو ثري فرنسي يملك عددا كبيرا من البواخر، قد منح جامعة أكسفورد الإنجليزية مليون ونصف مليون جنيه لتأسيس كلية جديدة لتخريج القادة للعالم، وشرط أن يكون ثلث الطلبة من الفرنسيين.
Bog aan la aqoon