Wadada Ikhwaan al-Safaa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Noocyada
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه،
25
أن من يرى ويعتقد بأن الإنسان ليس هو شيء سوى هذه الجملة المحسوسة: أعني الجسد المؤلف من اللحم والدم والعظم والعروق وما شاكلها، التي هي أجسام طويلة عريضة عميقة، وما يحلها من الأعراض الجسمانية والنوازع الجاذبة لها إلى الأسباب الضرورية من الجوع والعطش ... [إلخ]، فهو لا يتحقق أمر البعث ولا يتصور حقيقة القيامة إلا إعادة هذه الأجساد برمتها، وتلك الأجرام والأعراض بعينها على هذه الحال التي هي عليها الآن، ثم يحشرون ويحاسبون ...
وأما من كان فوق هذه الطوائف في العلوم والمعارف، فهو يرى ويعتقد بأن مع هذه الأجساد جواهر أخرى أشرف منها وأفضل، وليست بأجسام، تسمى أرواحا أو نفوسا. فهو لا يتصور أمر البعث ولا يتحقق أمر القيامة إلا برد تلك النفوس والأرواح إلى تلك الأجساد بعينها، أو أجساد أخر تقوم مقامها، ثم يحشرون ويحاسبون ويجازون بما عملوا من خير أو شر. وهذا الرأي أجود وأقرب إلى الحق، وفي اعتقادهم له صلاح لهم ولغيرهم. و[لكن] اعلم يا أخي أن هذا الرأي والاعتقاد جيد للنساء والصبيان والجهال والعوام، ومن لا ينظر في حقائق العلوم ولا يعرفها. وذلك أنهم إذا اعتقدوا هذا الرأي وتحققوا هذا الاعتقاد ، يكون ذلك حثا لهم على عمل الخير وترك الشرور واجتناب المعاصي وفعل الطاعات ... [إلخ]. ويكون ذلك صلاحا لهم ولمن يعاملهم ...
وأما من كان فوق هذه الطائفة في العلم والمعارف والدراية، فهو يرى ويعتقد بأن الغرض من كون هذه النفوس والأرواح مع هذه الأجساد في الدنيا مدة ما، هو من أجل أن تستقيم ذواتها وتكمل صورها، وتخرج من حد القوة والكمون إلى الفعل والظهور، ولتستكمل أيضا فضائلها من عرفانها أمر المحسوسات وتخيلها رسوم المعقولات، وتخرج بالآداب والرياضيات والنظر في العلوم الطبيعية والإلهيات، وبالاعتبار والتجارب والتدبير والسياسيات، وليكون ذلك سببا لانتباه النفوس من نوم الغفلة ورقدة الجهالة، وتحيا بروح المعارف، وينفتح لها عين البصيرة؛ لتنظر إلى عالمها الروحاني وتشاهد دارها الحيواني، ويتبين لها أنها في عالم الغربة وموضع المحنة والبلوى، غريقة في بحر الهيولى مبتلاة في أسر الطبيعة، مشتعلة فيها نيران الهاوية الموقدة المطلعة على الأفئدة. ومن كان يرى ويعتقد أمر الحياة في الدنيا على هذه الحال ويرى ويعتقد بأنه محبوس في هذه الدنيا إلى وقت معلوم، كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. فهو لا يتصور أمر البعث ولا يتحقق أمر القيامة إلا مفارقة النفس الجسد بعد استقلالها بذاتها وتفردها بجوهرها ومشاهدتها عالمها، ولا يسأل ربه إلا اللحاق بأبناء جنسها من الماضين من عباد الله الصالحين» (38: 3، 303-305).
في رمزية الجنة والنار
لقد قال لنا الإخوان في أكثر من موضع في رسائلهم إن النفوس التي حققت الارتقاء في المرتبة الإنسانية تصل إلى الرتبة الملائكية في سلم الارتقاء العام، وتنضم إلى أبناء جنسها سائحة في عالم الأفلاك متحررة من قيود الجسد والعالم المادي عالم الكون والفساد ما دامت السماء والأرض؛ فإذا قامت القيامة الكبرى في نهاية الزمن عادت للاتحاد بالنفس الكلية التي تتخلى عن الجسم الكلي لتلحق بالعقل الكلي. أما النفوس الشريرة التي قصرت عن الارتقاء، فتتحول إلى شياطين تبقى سائحة في قعر عالم المادة لا تقدر على الصعود بسبب ثقل خطاياها وأعمالها السيئة. وفي الحقيقة فإن هذه هي نظرة الإخوان للجنة والنار التي عبر عنها الناموس بصور مادية قريبة من أفهام عامة الناس. فعالم الكون والفساد هو جهنم، وعالم الأفلاك هو الجنة، وما من جحيم مادي تحترق فيه أجساد الكفار، أو جنة مادية تتنعم فيها أجساد الأبرار بكل ما لذ وطاب من طعام وشراب وملبس ومسكن ونكاح: «اعلم أن الكفر في لغة العرب [هو] الغطاء، وهو شيء يعرض للنفس من جهة الجسد. وذلك أنه إذا استقرت النفس في الجهالة تغطى عليها أمر ذاتها، وذهب عليها معرفة جوهرها، وتنسى مبدأها ولا تذكر من أمر معادها، حتى تبلغ من جهالتها ألا تعلم بأن لها وجودا خلوا من الجسد ... فمن لا يعرف جوهر النفس فهو لا يعرف شيئا من الأمور الروحانية ولا يتصورها، وإذا سمع ذكرها أنكرها لشدة استغراقه في بحر الهيولى وظلمات الجهالات. فهؤلاء إذا سمعوا بذكر جهنم لا يتصورونها إلا أمرا صناعيا، وهم يظنون أن جهنم هي خندق محفور كبير واسع مملوء من نيران تشتعل وتلتهب، وأن الله تعالى يأمر الملائكة قصدا منه وغيظا على الكفار أن يأخذوهم ويرموا بهم في ذلك الخندق. ثم إنه كلما أحرقت أجسادهم وصارت فحما ورمادا أعاد فيها الرطوبة والدم حتى يشتعل من الرأس ثانيا كما اشتعل أول مرة، وهكذا يكون دأبهم أبدا. ويحتجون بقوله تعالى: ... كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ...
26
ولا يدرون معنى قوله تعالى ولا تأويل كتابه. إنهم إذا سمعوا أن الله غفور رحيم حنان منان رءوف ودود، وما شاكل ذلك من أسمائه الحسنى، وتفكروا فيها، أنكرت عليهم عقولهم ما اعتقدوا فيه من الحقد وقلة الرحمة لخلقه، فعند ذلك يتحيرون ويتشككون فيما أخبرت به الأنبياء، عليهم السلام، إذ لا يعرفون شيئا عن صفة جهنم وعذاب أهلها، ولا يعرفون تأويل كتبهم ولا معاني إشاراتهم ورموزاتهم ودقائق أسرارهم.
Bog aan la aqoon