Wadada Ikhwaan al-Safaa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Noocyada
وأما سعداء أبناء الدنيا وأشقياء أبناء الآخرة، فهم الذين وفر حظهم من متاعها ومكنوا منها وارتقوا فيها، فتمتعوا وتلذذوا وتفاخروا وتكاثروا، ولم يتعظوا بزواجر الناموس، ولم ينقادوا له، ولم يأتمروا لأمره، وتعدوا حدوده ... وهم الذين أشار إليهم بقوله جل ثناؤه: ... ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب
18
وآيات كثيرة في القرآن في وصف هؤلاء.
وأما أشقياء الدنيا وسعداء الآخرة، فهم الذين طالت أعمارهم فيها، وكثرت مصائبهم في تصاريف أيامها، واشتدت عنايتهم في طلبها، وفنيت أبدانهم في خدمة أهلها، وكثرت همومهم من أجلها، ولم يحظوا بشيء من نعيمها ولذاتها، وائتمروا بأوامر الناموس ولم يتعدوا حدوده. وقد ذكر الله ذلك في آيات كثيرة من القرآن: ... إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
19
وأما أشقياء الدنيا والآخرة، فهم الذين بخسوا حظهم من الدنيا ولم يمكنوا منها وشقوا في طلبها، فعاشوا فيها طول أعمارهم بأبدان متعوبة ونفوس مهمومة، ولم ينالوا خيرا، ثم لم يأتمروا بأوامر الناموس، ولم ينقادوا لأحكامه، وتجاوزوا حدوده ... فهم الذين خسروا الدنيا والآخرة جميعا، ذلك هو الخسران المبين.
وإذا قد تبين بما ذكرنا، بأقسام عقلية، أنه لا يخلو أحد من الناس من أن يكون داخلا في أحد تلك الأقسام الأربعة، فنريد أن نذكر أخلاق أبناء الدنيا وطباعهم، وأخلاق أبناء الآخرة وسجاياهم، ليعرف الفرق بينهم.
اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن أخلاق بني الدنيا هي التي ركزتها الطبيعية في الجبلة من غير كسب منهم ولا اختيار ولا فكرة ولا روية ولا اجتهاد ولا كلفة، فهم يسعون فيها ويعملون عليها مثل البهائم في طلب منافع الأجساد ودفع المضرة عنها، كما قال الله تعالى ذكره: ... ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم .
20
وأما أخلاق أبناء الآخرة فهي التي اكتسبوها باجتهادهم، إما بموجب العقل والفكر والروية، وإما باتباع أوامر الناموس وتأديبه، وتصير عند ذلك عادة لهم بطول الدءوب فيها وكثرة الاستعمال لها، وعليها يجازون ويثابون.
Bog aan la aqoon