Wadada Ikhwaan al-Safaa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Noocyada
فأما الوجه الآخر إذا اعتبر، فالزمان موجود أبدا. وذلك أن الزمان كله يوم وليلة، أربع وعشرون ساعة، وهي موجودة في أربع وعشرين بقعة من استدارة الأرض تكون حولها دائما. بيان ذلك أنه إذا كان نصف النهار في يوم الأحد مثلا في البلد الذي طوله تسعون درجة، فإن الساعة الأولى من هذا اليوم موجودة في البلدان التي طولها من درجة إلى خمس عشرة درجة، والساعة الثانية موجودة في البلدان التي طولها من ست عشرة درجة إلى ثلاثين درجة، والساعة الثالثة موجودة في البلد الذي طوله من إحدى وثلاثين درجة إلى خمس وأربعين درجة ... [وهكذا وصولا إلى الساعة الثانية عشرة التي تكون موجودة في البلدان التي طولها إلى تمام مائة وثمانين درجة].
وفي مقابلة كل بقعة من هذه البقاع من استدارة الأرض، ساعات الليل موجودة كل واحدة كنظيرتها. ولكل موضع من الأرض أقدار مختلفة من الليل والنهار ... وكلما دار النهار دار الليل معه، كل واحد منهما ضد صاحبه. وكلما زال أحدهما زال الآخر معه. فالليل والنهار يبتديان الإقبال من مشرق الأرض، ثم يسيران على مسير الشمس فيسبق طلوع الشمس على أول الأرض طلوعها على آخرها باثنتي عشرة ساعة، وكذلك الليل ...
ثم اعلم أن من كرور الليل والنهار حول الأرض دائما، يحصل في نفس من يتأملها صورة الزمان كلها، مثلما يحصل فيها صورة العدد من تكرار الواحد؛ وذلك أن العدد كله أفراده وأزواجه، صحيحه وكسوره، آحاده وعشراته، ومئاته وألوفه، ليست بشيء غير جملة الآحاد تحصل في نفس من يتأملها كما بينا في رسالة العدد. وهكذا الزمان ليس هو بشيء سوى جملة السنين والشهور والأيام والساعات، تحصل صورتها في نفس من يتأمل تكرار كرور الليل والنهار حول الأرض دائما. فهذه خمسة الأشياء التي أتينا على شرحها، وهي الهيولى والصورة والمكان والزمان والحركة، محتوية على كل جسم. فمن لم يكن مرتاضا بالنظر في هذه الأشياء، فلا يسعه النظر في أمور الطبيعة؛ لأنه لا يمكن له أن يعرفها كنه معرفتها البتة، ولو لم يكن مرتاضا في الأمور الطبيعية، فلا يسعه الكلام في الأمور الإلهية؛ لأنه لا يمكنه أن يعرفها كنه معرفتها» (15: 2، 17-19).
هذه هي أهم الأفكار والمعلومات التي قدمها لنا إخوان الصفاء في صفة العالم وكيفية عمله. وكلها ليست إلا مقدمات لمعرفة الإنسان لنفسه وإدراكه لشرطه، وهي المعرفة المنجية التي تقود إلى الانعتاق. وهذا هو موضوع الفصل القادم.
الفصل الثالث
معرفة النفس
«اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أن الحكماء والفلاسفة قد أكثرت في كتبها وفي مذكراتها ذكر النفوس، وحثت تلاميذها وأولادها على طلب علم النفس ومعرفة جوهرها؛ لأن في علم النفس ومعرفة جوهرها، معرفة حقائق الأشياء الروحانية من أمر المبدأ والمعاد، والباري تعالى عز وجل، وملائكته، وخاصة معرفة البعث وحقيقة القيامة ... وذلك أن كل إنسان لا يعرف نفسه ولا يعلم ذاته، ولا يعلم ما الفرق بين النفس والجسد، تكون همته كلها مصروفة إلى إصلاح أمر الجسد، ومرافق أمر البدن، من لذة العيش والتمتع بنعيم الدنيا، وتمني الخلود فيها، مع نسيان أمر المعاد وحقيقة الآخرة. وإذا عرف الإنسان نفسه وحقيقة جوهرها، صارت همته في أكثر الأحوال في أمر النفس، وفكرته أكثرها في إصلاح شأنها، وكيفية حالها بعد الموت، واليقين بأمر المعاد، والاستعداد للرحلة من الدنيا، والتزود للمعاد، والمسارعة في الخيرات، والتوبة وتجنب الشر والمنكر والمعاصي.
فإذا فعل ذلك يزول عنه خوف الموت، وربما تمنى لقاء الله تعالى. وهذه صفة أولياء الله تعالى وعباده الصالحين، كما ذكر الله سبحانه، وأشار إليهم بقوله في كتابه على لسان نبيه محمد
صلى الله عليه وسلم ، في توبيخه لليهود لما زعموا أنهم أولياء الله من دون الناس، فقال لهم: ... فتمنوا الموت إن كنتم صادقين
1 [أي صادقين] بأنكم أولياء الله من دون الناس. وإنما يتمنى أولياء الله الموت إذا تذكروا ما وعدهم الله وأعده لهم من التحية والسلام. كما قال جل ثناؤه:
Bog aan la aqoon