Wadada Ikhwaan al-Safaa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Noocyada
وضع الإخوان رسائلهم في أربعة أقسام، يختص كل قسم منها بموضوع من موضوعات الفلسفة. ويبدو أن كل واحد من الأربعة الذين يتربعون على قمة الهرم التنظيمي، كان مسئولا عن إعداد قسم من هذه الأقسام، وهي: (1)
القسم الرياضي، ويدعون رسائله بالرسائل الرياضية التعليمية، وعددها أربع عشرة رسالة. (2)
القسم الطبيعي، ويدعون رسائله بالرسائل الجسمانية الطبيعية، وعددها سبع عشرة رسالة. (3)
قسم النفسانيات والعقليات، ويدعون رسائله النفسانية العقلية، وعددها عشر رسائل. (4)
قسم الآراء والديانات، ويدعون رسائله بالناموسية الإلهية والشرعية الدينية، وعددها إحدى عشرة رسالة.
أما الرسالة الجامعة، فقد أفردوا لها مجلدا خاصا يستغرق في الطبعات الحديثة نحو 350 صفحة. وهم في نهاية فهرستهم للرسائل في مقدمة الكتاب، يصفون ما ورد فيها بأنه مجرد نماذج لما في حوزتهم من الحكمة والمعارف، يعرضونها على طالبي العلم علهم يرغبون في الاطلاع على مزيد مما لديهم. يقولون في مقدمة الرسائل التي تحتوي على الفهرست: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن مثل صاحب هذه الرسائل مع طالبي العلم ومؤثري الحكمة ومن أحب خلاصه، واختار نجاته، كمثل رجل حكيم جواد كريم، له بستان خضر نضر بهج مونق معجب طيب الثمرات، لذيذ الفواكه، عطر الرياحين ... أراد لكرم نفسه وسخاء سجيته أن يدخلها كل مستحق ... فنادى في الناس أن هلموا وادخلوا في هذا البستان، وكلوا من ثمارها ما اشتهيتم، وشموا من رياحينها ما اخترتم ... فلم يجبه أحد ... فرأى الحكيم من الرأي أن وقف على باب البستان، وأخرج مما فيه تحفا، وطرفا ولطفا من كل ثمرة طيبة، وفاكهة لذيذة، وريحان زكي ... فكل من مر به عرضها عليه ... حتى إذا ذاق وشم وفرح به ... واشتاق إلى دخول البستان وتمناه، وقلق إليه ولم يصبر عنه، قال له عند ذلك: ادخل البستان، وكل ما شئت، وشم ما شئت، واختر ما شئت.» (فهرست الرسائل: 1، 45-46).
ولكن على الرغم من هذا التقسيم المنهجي للرسائل وتوزيعها على أربعة أقسام، لكل قسم منها موضوعه الخاص ولكل رسالة فيه موضوعها أيضا، إلا أن الإخوان لم يتقيدوا بهذا التقسيم؛ فهم لا يستنفدون الموضوع الواحد في رسالة واحدة أو قسم بعينه، بل نراهم يعودون إليه في رسائل أخرى وقسم آخر، لمزيد من المعالجة والتطوير، أو قد يكررون حرفيا ما قالوه سابقا دون تغيير؛ الأمر الذي يؤكد تعدد المؤلفين، كما يؤكد ما أوردته سابقا عن وجود مرجع مشترك لهم سابق على كتابة الرسائل. وينجم عن ذلك عدم اقتصار الرسالة الواحدة على موضوعها المعلن في العنوان، واحتوائها على الكثير من الاستطرادات التي تعالج أفكارا خارجة عن السياق. وهذه في رأيي أبرز الصعوبات التي تواجه قارئ الرسائل، الذي لا يستطيع الإحاطة بأي موضوع تعالجه، أو فهم جانب من جوانب مذهب الإخوان إلا بعد الانتهاء من قراءة الرسائل جميعها، وكان على قدر من النباهة يمكنه من ربط شتات الأفكار والتأليف فيما بينها عبر كل مرحلة من المراحل.
يقوم مذهب الإخوان على التوفيق بين الدين والفلسفة، وهو طريق اختطه قبلهم الفيلسوف الكندي، ولكنهم كانوا أول من وصل به إلى أقصى غاياته. فإذا كان على المرء أن يبدأ أولا بالإيمان الذي هو التصديق والإقرار بما أخبر الأنبياء، إلا أن الإنسان العاقل لا يلبث حتى يضع إيمانه هذا موضع التفكير العقلي. وهنا يأتي دور الفلسفة، وطلب المعارف الحقيقية التي تقود إلى تصديق العقل بعد تصديق القلب. نقرأ في الرسالة 46: «ومن أجل هذا دعت الأنبياء أممها إلى الإقرار أولا، ثم طالبوها بالتصديق بعد البيان، ثم حثوهم على طلب المعارف الحقيقية. والدليل على صحة ما قلنا، قوله عز وجل :
الذين يؤمنون بالغيب ، ولم يقل الذين يعلمون بالغيب؛ ثم حثهم على طلب العلم بقوله:
فاعتبروا يا أولي الأبصار ؛ ثم مدحهم قال: ... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ...
Bog aan la aqoon