Wadada Ikhwaan al-Safaa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Noocyada
وأما قراؤكم وعبادكم الذين تظنون أنهم أخياركم ... فهم الذين غروكم بإظهارهم الورع والخشوع والتقشف والنسك ... وترك التفقه في الدين ... وترك تهذيب النفس وإصلاح الخلق، واشتغلوا بكثرة السجود والركوع بلا علم، حتى ظهر أثر السجود على جباههم ... وتركوا الأكل والشرب حتى جفت أدمغتهم ونحلت شفاههم ... وقلوبهم مملوءة بغضا وحقدا وجفاء لمن ليس مثلهم، ونفوسهم مملوءة وساوس وخصومة مع ربهم بضمائرهم ...
وأما فقهاؤكم وعلماؤكم، فهم الذين يتفقهون في الدين طلبا للدنيا، وابتغاء للرياسة والولاية والقضاء والفتاوى بآرائهم وقياساتهم، يحللون تارة ويحرمون تارة بتأويلاتهم، ويتبعون ما تشابه ويتركون حقيقة ما أنزل الله من الآيات المحكمات، فنبذوه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، ويتبعون ما تتلو الشياطين على قلوبهم من الخيالات. كل هذا طلبا للدنيا وتكسبا للرياسة من غير ورع ولا تقوى من الله تعالى ...
وأما قضاتكم وعدولكم والمزكون لكم، فأدهى وأظلم وأبطر وهم أشر سيرة من الفراعنة والجبابرة. وذلك أنك تجد الواحد منهم قبل الولاية قاعدا بالغدوات في مسجده، حافظا لصلاته، مقبلا على شانه، يمشي بين جيرانه على الأرض هونا، حتى إذا ولي الحكم والقضاء تراه راكبا بغلة فارهة وحمارا مصريا بسرج ومركب، وغاشية يحملها السودان ... قد ضمن القضاء من السلطان الجائر بشيء يؤديه إليه من أموال اليتامى ومال الوقوف. وصالح عدوله بشيء من السحت والبراطيل، فقبل منهم الرشوة، ويرخص لهم في الجنايات وشهادات الزور وترك أداء الأمانات والودائع ...
وأما خلفاؤكم الذين تزعمون أنهم ورثة الأنبياء، عليهم السلام، فكفى وصفهم ما قاله الله تعالى. وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ما من نبوة إلا ونسختها الجبروتية. ويسمون باسم الخلافة، ويسيرون بسيرة الجبابرة، وينهون عن منكرات الأمور، ويرتكبون هم منها كل محظور، ويقتلون أولياء الله وأولاد الأنبياء، عليهم السلام، ويسبونهم ويغصبونهم على حقوقهم، ويشربون الخمر، ويبادرون إلى الفجور ... فبدلوا نعمة الله كفرا ... فويل لهم مما كسبت أيديهم، وويل لهم مما يكسبون! وذلك أنه إذا ولي أحد منهم ابتدأ أولا بالقبض على من تقدمت له حرمة لآبائه وأسلافه، وأزال نعمته، وربما قتل أعمامه وإخوانه وأبناء عمه وأقربائه، وربما كحلهم أو حبسهم ونفاهم ... كل ذلك حرصا على طلب الدنيا وشدة الرغبة فيها، وشحا عليها وقلة الرغبة في الآخرة ...» (22: 2، 358-361).
لقد طال هذا النقد الشامل الذي تحفل به الرسائل جميع شرائح المجتمع، وكل الأخلاق الرديئة والعادات الفاسدة السائدة لدى الناس، وذلك انطلاقا من نظرة الإخوان إلى النجاة من عالم الكون والفساد، والتي لا تتهيأ للفرد المنعزل عن المجتمع، بل للفرد الفاعل فيه الساعي إلى تحسينه وتطويره. فإذا كان الخلاص يبدأ بجهد فردي إلا أنه لا يتحقق فعلا إلا بجهد جمعي، عندما تتحد الإرادات وتتوحد الغايات، لا من أجل قلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة، بل من أجل إحداث انقلاب في صميم الثقافة الإسلامية يهيئها لقدوم دولة أهل الخير، ويمهد لها.
Bog aan la aqoon