Wadada Ikhwaan al-Safaa
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Noocyada
فقالوا: «واعلم يا أخي أن الملائكة الحافين بالعرش هم حملة العرش، وهي الكواكب الثابتة الحافة بالفلك التاسع [فلك الكواكب الثابتة] من داخله، كما يحف الحجاج بالبيت في طوافهم من خارجه. فهم يسبحون بحمد ربهم، كما قال:
وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون
27
ويؤمنون ويقرون بأن من وراء مراتبهم ومقاماتهم أمورا أخرى هي أشرف وأعلى، يقصر علمهم عنها، ويقف فهمهم دونها» (20: 2، 142).
وقد رأينا في فصل ارتقاء النفس، كيف فسر الإخوان الصراط المستقيم بأنه الصورة الإنسانية التي تسير عليها النفس في آخر ارتقائها، وهي الصراط المنتصب في مقابل الصراط المنكوس الذي هو صورة النبات، والصراط المقوس الذي هو صورة الحيوان. كما عرضنا لنماذج من تأويلاتهم في الجنة والنار والحساب والحشر وغيرها، في فصل الآخرة والنشأة الثانية، بما لا ضرورة لتكراره هنا.
الإسلام الكوني
لما كان مذهب الإخوان «يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم جميعها»، وكانت آراؤهم مستمدة من الموروث الإنساني بكامله «من الكتب المصنفة على ألسنة الحكماء والفلاسفة ... والكتب المنزلة التي جاء بها الأنبياء ... والكتب الطبيعية ... والكتب الإلهية»، على ما قالوه في الرسالة 45، فإن مذهبهم هو إسلام كوني شمولي لا يدعي احتكار الحقيقة المطلقة، ولا يسفه المذاهب الأخرى باعتبارها ضلالا وغيا وبعدا عن جادة الحق. وما اختلاف المذاهب إلا من قبيل دخول الشبهة عليها، فإذا زالت الشبهات زالت الاختلافات وتبينت لنا الوحدة الجوهرية للأديان. قد يكون الإسلام بالنسبة للإخوان أفضل الطرق الموصلة إلى الله وأقصرها، ولكنه ليس الطريق الوحيد المقبول، وقد عرضت له الشبهات مثلما عرضت للأديان الأخرى، بسبب التعصب وضيق الأفق والوقوف عند حرفية النص المقدس: «فاعلم أن الحق في كل دين موجود، وعلى كل لسان جار، وأن الشبهة دخولها على كل إنسان جائز ممكن. فاجتهد يا أخي أن تبين الحق لكل صاحب دين ومذهب مما هو في يده، أو مما هو متمسك به، وتكشف عنه الشبهة التي دخلت عليه إن كنت تحسن هذه الصناعة، وإلا فلا تتعاطاها إن كنت لا تحسنها. ولا تمسك بما أنت عليه الآن من دينك ومذهبك، واطلب خيرا منه، فإن وجدت لا يسعك الوقوف على الأدون، ولكن واجب عليك الأخذ بالأخير الأفضل والانتقال إليه. ولا تشتغلن بذكر عيوب مذاهب الناس، ولكن انظر هل لك مذهب بلا عيب» (42: 3، 501).
لهذا ينبذ الإخوان التعصب البغيض، ويدعون لانفتاح المذاهب على بعضها والإفادة بعضها من بعض؛ لأن في كل مذهب جانبا من جوانب الحق: «وبالجملة، ينبغي لإخواننا، أيدهم الله تعالى، أن لا يعادوا علما من العلوم، أو يهجروا كتابا من الكتب، ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب» (45: 4، 41-42). «واعلم أيها الأخ أنا لا نعادي علما من العلوم، ولا نتعصب على مذهب من المذاهب، ولا نهجر كتابا من كتب الحكماء والفلاسفة مما وضعوه وألفوه في فنون العلم، وما استخرجوه بعقولهم وتفحصهم من لطيف المعاني. وأما معتمدنا ومعولنا وبناء أمرنا فعلى كتب الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، وما جاءوا به من التنزيل» (48: 4، 167). «... ثم اعلم أنه ينبغي لمن يريد أن يعرف حقائق الأشياء أن يبحث أولا عن علل الموجودات وأسباب المخلوقات، وأن يكون له قلب فارغ من الهموم والغموم والأمور الدنيوية ... ويكون غير متعصب لمذهب أو على مذهب؛ لأن العصبية هي الهوى، والهوى يعمي عين العقل وينهى عن إدراك الحقائق، ويعمي النفس البصيرة عن تصور الأشياء بحقائقها» (40: 3، 376).
والأنبياء لا يختلفون فيما جاءوا به من معتقدات على الرغم من اختلاف شرائعهم باختلاف الأزمنة والأمكنة: «ثم اعلم أن الأنبياء، عليهم السلام، لا يختلفون فيما يعتقدون من الدين سرا وعلانية، ولا في شيء منه البتة، كما قال تعالى: ... أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ...
28
Bog aan la aqoon