فلنرجع إلى كلامه.
[تفسير الدرجة الأولى وهي غنى القلب]
فقوله في الدرجة الأولى -وهي غنى القلب- أنَّهُ "سلامته من السبب" أي من الفقر إلى السبب، وشهودِه، والاعتماد عليه، والركون إليه، والثقة به. فمن كان معتمدًا على سبب غنيًّا به (^١) واثقًا به لم يطلق عليه اسم "الغنى"، لأنَّه فقير إلى الوسائط، بل لا يسمَّى صاحبُه غنيًّا إلا إذا سلِم من علُّة السبب استغناءً بالمسيِّب، بعد الوقوف على رحمته وحكمته وتصرفه وحسن تدبيره، فلذلك يصير صاحبه غنيًّا بتدبير اللَّه ﷿.
فمن كملت له السلامة من علَّة الأسباب، ومن علَّة المنازعة للحكم، بالاستسلام له والمسالمة (^٢)، أي بالانقياد لحكمه الذي (^٣) حصَّل الغنى للقلب بوقوفه على حسن تدبيره ورحمته وحكمته (^٤). فإذا وقف العبد على حسن تدبيره (^٥) واستغنى القلب به لم يتم له الاستغناء بمجرد هذا الوقوف، إن (^٦) لم ينضمّ إليه المسالمة للحكم -وهو الانقياد له- فإنَّ المنازعة للحكم إلى حكم آخر دليلٌ على وجود رعونة الاختيار، وذلك