مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا. من يهد الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
(أمَّا بعد): (فإنَّه لما كانت) كتبُ الإمام الكبير شيخ الإسلام والمسلمين: تقيُّ الدِّين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية - قدَّس الله رُوحَه - جمعتُ فأوْعت؛ جمعت جميع الفنون النافعة، والعلوم الصحيحة، جمعت علوم الأُصول والفُروع، وعلوم النَّقل والعقل، وعلوم الأخلاق، والآداب الظاهرة والباطنة. وجمعت بين المقاصد والوسائل، وبين المسائل والدلائل، وبين الأحكام وبين حكمها وأسرارها، وبين تقرير مذاهب الحق، والرَّدِّ على جميع المبطلين. وامتازت على جميع الكُتُب المصنَّفَة بغزارة علمها، وكثرته وقوَّته، وجودته وتحقيقه، بحيث يجزم من له اطّلاع عليها وعلى غيرها أنه لا يوجد لها نظير يُساويها أو يُقَارِبها.
وقد منَّ الله تعالى بنشرها في هذه الأوقات، ونفع الله بها النفع العظيم، وصار كل مُصْلِح منها يستمِدَّ، وعليها يعتمد.
ومن أعظم ما فاقت به غيرها وأهمِّه، وتفرَّدت على سواها : أن مؤلفها - رحمه الله - يعتني غاية الاعتناء بالتنبيه على القواعد الكلية، والأصول الجامعة، والضوابط المحيطة، في كل فن من الفنون التي تكلم بها.
ومعلوم أن الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان، والأصول للأشجار، لا ثَبات لها إلا بها. والأصول تُبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوّى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى، وينمى نماءً مطَّرداً ،