The Path to Achieving Desired Knowledge through Understanding Rules, Principles, and Fundamentals
طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول
Daabacaha
دار البصيرة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Goobta Daabacaadda
الإسكندرية
Noocyada
طريق الوصول
إلى العلم المأمول
بمعرفة القواعد والضوابط والأصول
مختارات من كتب
شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم
أكثر من ١٠٠ قاعدة وضابط وأصل
جمعها الفقير إلى الله
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
دار البصيرة الإسكندرية
1
طرق الوصول إلى العلم المأمول
بمعرفة القواعد والضوابط والأصول
مختارات من كتب
شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم
أكثر من ١٠٠ قاعدة وضابط وأصل
جمعها الفقير إلى الله
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
دار البصيرة
جمهورية مصر العربية
الإسكندرية - ٢١ ش كانوب - كامب شيزار
ت: ٥٩٠١٥٨٠
2
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حقوق الطبع محفوظة
لدار البصيرة
لصاحبها / مصطفى أمين
رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ
دار البصيرة
جمهورية مصر العربية
الإسكندرية - ٢٤ ش كانوب - كامب شيزار - ت: ٥٩٠١٥٨٠
3
طريق الوصول
إلى العلم المأمول
بمعرفة القواعد والضوابط والأصول
4
مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا. من يهد الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
(أمَّا بعد): (فإنَّه لما كانت) كتبُ الإمام الكبير شيخ الإسلام والمسلمين: تقيُّ الدِّين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية - قدَّس الله رُوحَه - جمعتُ فأوْعت؛ جمعت جميع الفنون النافعة، والعلوم الصحيحة، جمعت علوم الأُصول والفُروع، وعلوم النَّقل والعقل، وعلوم الأخلاق، والآداب الظاهرة والباطنة. وجمعت بين المقاصد والوسائل، وبين المسائل والدلائل، وبين الأحكام وبين حكمها وأسرارها، وبين تقرير مذاهب الحق، والرَّدِّ على جميع المبطلين. وامتازت على جميع الكُتُب المصنَّفَة بغزارة علمها، وكثرته وقوَّته، وجودته وتحقيقه، بحيث يجزم من له اطّلاع عليها وعلى غيرها أنه لا يوجد لها نظير يُساويها أو يُقَارِبها.
وقد منَّ الله تعالى بنشرها في هذه الأوقات، ونفع الله بها النفع العظيم، وصار كل مُصْلِح منها يستمِدَّ، وعليها يعتمد.
ومن أعظم ما فاقت به غيرها وأهمِّه، وتفرَّدت على سواها : أن مؤلفها - رحمه الله - يعتني غاية الاعتناء بالتنبيه على القواعد الكلية، والأصول الجامعة، والضوابط المحيطة، في كل فن من الفنون التي تكلم بها.
ومعلوم أن الأصول والقواعد للعلوم بمنزلة الأساس للبنيان، والأصول للأشجار، لا ثَبات لها إلا بها. والأصول تُبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوّى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى، وينمى نماءً مطَّرداً ،
5
وبها تعرف مآخذ الأصول، وبها يحصل الفُرقان بين المسائل التي تشتبه كثيراً، كما أنها تجمع النظائر والأشباه التي من جمال العلم جمعُها. ولها من الفوائد الكثيرة غير ما ذكرناه.
وقد يسّر الله الوقوف على كتبه الموجودة، فتتَبَّعتُ ما وجدته في كتب هذا الإمام من الأصول والقواعد والضوابط النافعة، وأثبتُّها في هذا المجموع، ونقلتها بعبارات مؤلّفها، إلا شيئاً يسيراً منها أوجب تغيير بعض الألفاظ، إذا كانت القاعدة والأصل متفرقاً في كلامه، غير متصل بعضه ببعض؛ فجمعته من متفرّقات كلامه في موضع واحد ونضطرَّ فيه إلى التغيير اليسير الذي يوضِّح المعنى ولا يُغيِّره.
ولشيخ الإسلام كتاب يقال له : «قواعد الاستقامة» طالما بحثنا عنه لتحصيله من مظانِّه، ـ لكثرة فوائده - فلم يتيسر.
وإني أرجو أن يكون ما جمعته في هذا المجموع من كلامه في الأصول والقواعد، مُغنياً عن ذلك الكتاب، ومتضمّناً زيادات كثيرة لا توجد فيه ولا في غيره. وسمیته :
«طريق الوصول، إلى العلم المأمول، بمعرفة القواعد المنوعة والضوابط والأصول»
إذ هو اسم يطابق مسمَّاه، وفيه من العلوم الجمَّة، والفوائد المهمَّة، ما يعرفه أهل العلم الراغبون.
فرحمه الله من إمام رحم الله به المسلمين، وكان قُدوة للمحقَّقين والمصلحين. وهي قواعد وأصول منوَّعه في أصول الدين، وفي أصول الفقه، والتفسير، والحديث، وفي أصول الأحكام، وفي أصول الأخلاق، والمناظرات، والرد على أهل الباطل. ويوجد في يسير منها نوع تكرار إذا كان الأصل مهماً جداً، وكان فيه زيادة فائدة.
6
وأسأل الله تعالى: أن يجعل العمل خالصاً لوجهه، وأن يعُمَّ نفعُه، ويعظُم وقعه، إنه جواد كريم، رؤوف رحيم.
وقد فَصَلْتُ بين كل أصل وآخر، فجعلت كل أصل في أول السطر، ووضعت له رقماً مسلسلاً.
وقد ألحقتها - بعد ما أكملتها - بقواعد وأُصول أُخر، من كتب شمس الدين ابن القيِّم، فبلغ الجميع ما يزيد على الألف، ما بين أصل، وقاعدة، وضابط، وكلام جامع.
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
7
Bog aan la aqoon
أصول من العقيدة المسماة
بالتدمرية لشيخ الإسلام
١ - فلابد للعبد أن يُثبت لله ما يجب إثباته له من صفات الكمال، وينفي عنه ما يجب نفيُه مما يُضادُّ هذه الحال. ولابدَّ له في أحكامه أن يثبت خَلقه وأمره؛ فيؤمن بخلقه المتضمن كمال قُدرته، وعموم مشيئته، ويُثبت أمره المتضمّن بيان ما يحبُّهُ ويرضاه من القول والعمل، ويُؤمن بشَرعِه وقَدَرِه إيماناً خالياً من الزَّلل. وهذا يتضمَّن التوحيد في عبادته وحده، لا شريك له، وهو التوحيد في القصد والإرادة والعمل، والأول يتضمن التوحيد في العلم والقول.
٢ - والله سبحانه بعث رُسُلَه بإثبات مفصَّل، ونفي مجمل؛ فأثبتوا لله الصفات على وجه التفصيل، ونفوا عنه ما لا يصلُح له من التشبيه والتمثيل.
٣ - القول في الصِّفات، كالقول في الذَّات، فإن الله ليسَ كمثله شيء: لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله فإذا كان له ذات (حقيقية) لا تُماثل الذوات، فالذات متّصفة بصفات (حقیقیة) لا تماثل سائر الصِّفات.
٤ - القول في بعض الصفات كالقول في بعض.
٥ - فالسَّلِف والأئمة وأتباعهم آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، مع علمهم بالمباينة التي بين ما في الدنيا والآخرة، وأن مُباينة الله لخلقه أعظم.
٦ - والله تعالى لا تُضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله لا مَثَل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يُشرك هو والمخلوقات في قياس تمثيل، ولا في قياس شُمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقِّ المثل الأعلى، وهو أنه: كل ما
9
اتصف به المخلوق من كمال، فالخالق أولى به، وكل ما يُنَزّه عنه المخلوق من نقص، فالخالق أولى بالتنزيه عنه.
٧ - وينبغي أن يُعلم: أن النفي ليس في كمال ولا مدح، إلا إذا تضمن إثباتاً، وكلُّ ما (نفى) الله عن نفسه من النقائص، ومشاركة أحد له في خصائصه، فإنها تدلّ على إثبات ضدها من أنواع الكمالات.
٨ - ما أخبر به الرسول عن ربه، فإنه يجب الإيمان به، سواء عرفنا معناه أو لم نعرفه؛ لأنه الصَّادق المصدوق. فما جاء في الكتاب والسنة، وجب على كل مؤمن الإيمان به، وإن لم يفهم معناه. وكذلك ما ثبت باتِّفاق سلف الأمة وأئمتها. مع أن هذا الباب يوجد عامته منصوصاً عليه في الكتاب والسنة، متفق عليه بين سلَف الأمة.
وما تنازع فيه المتأخرون نفياً وإثباتاً، فليس على أحد، بل ولا له، أن يوافق على إثبات لفظه أو نفيه، حتى يعرف مراده، فإن أراد حقاً قُبل، وإن أراد باطلاً رُدَّ، وإن اشتمل كلامه على حق وباطل، لم يقبل مطلقاً ولم يُرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ، ويفسر المعنى.
٩ - سُئل الإمام مالك، رحمه الله، وغيره من السَّلف عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (سورة طه، الآية: ٥) كيف الاستواء ؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فبيّن أن الاستواء معلوم، وأن كيفية ذلك مجهولة. وهكذا يُقال في كل ما وصف الله به نفسه.
١٠ - والله تعالى لا يَعلَم عباده الحقائق التي أخبر عنها من صفاته وصفات اليوم الآخر، ولا يعلمون حقائق ما أراد بخلقه وأمره. فيجب الإيمان بأن الله خالق كل شيء وربُّه ومليكه، وأنه على كل شيء قدير، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد علم ما سيكون قبل أن يكون، وقدّر المقادير وكتبها حيث شاء.
10
١١ - ويجب الإيمان بأن الله أمر بعبادته وحده، لا شريك له، كما خلق الجن والإنس لعبادته، وبذلك أرسل رُسله، وأنزل كتبه وعبادته تتضمَّن كمال الذل والحب له، وذلك يتضمن كمال طاعته.
١٢ - فما أخبرت به الرسل من تفاصيل اليوم الآخر، وأمرت به من تفاصيل الشرائع، لا يعلمه الناس بعقولهم، كما أن ما أخبرت به الرسل من تفصيل أسماء الله وصفاته لا يعلمه الناس بعقولهم، وإن كانوا يعلمون بعقولهم جُمل ذلك.
١٣ - المؤمن مأمور بأن يفعل المأمور، ويترك المحظور، ويصبر على المقدور.
١٤ - وجُمَّاع ذلك: أنه لابد له في الأمر من أصلين، ولابد له في القدَر من أصلين :
ففي الأمر: عليه الاجتهاد في امتثال الأمر علماً وعملاً، فلايزال يجتهد في العلم بما أمر الله به، والعمل بذلك. ثم عليه أن يستغفر ويتوب من تفريطه في الأمر، وتعدِیه للحدود.
وأما في القدّر: فعليه أن يستعين بالله في فعل ما أمر به، ويتوكل عليه، ويدعوه، ويرغب إليه، ويستعين به. ويكون مفتقراً إليه في طلب الخير، وترك الشر. وعليه أن يصبر على المقدور، ويعلم أن ما أصابه لم يكن لِيُخطِئه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبه. وإذا آذاه الناس، علم أنه مُقَدَّر عليه.
١٥ - على العباد أن ينظروا إلى القدَر في المصائب، وأن يستغفروا من المعائب.
١٦ - وقد جمع الله بين هذين الأصلين: العبادة، والتوكل، في غير موضع، كقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين﴾ (سورة الفاتحة، الآية: ٥). وقوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عليه﴾ (سورة هود، الآية: ١٢٣)، فما لم يكُن بالله لا يكون، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله. وما لم يكن لله لا ينفع ولا يدوم، ولابد في عبادته من أصلين :
إخلاص الدين لله. . موافقة أمره الذي بعث به رسله.
11
ومن كتاب ((الإيمان)) لشيخ الإسلام
١٧ - ونحن نذكر من كلام الله وكلام رسوله محمد ﷺ، فإنه فيصل المؤمن إلى ذلك، من نفس كلام الله وكلام رسوله، فإن هذا هو المقصود. فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء، بل نذكر من ذلك في ضمن بيان ما يستفاد من كلام الله وكلام رسوله، ما يبين أن ردَّ موارد النزاع إلى الله ورسوله خير وأحسن تأويلاً؛ خير في الحال، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة.
١٨ - اسم ((الإيمان)) تارة يذكر مفرداً غير مقرون بغيره، فيدخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة. وتارة يُقرن بالإسلام أو بالعمل الصالح، أو بالذين أُتوا العلم؛ فيكون ((الإيمان)) اسماً لما في القلب، وما قرن معه اسماً للشرائع الظاهرة. ثم إن نفي ((الإيمان)) عند عدمها دلَّ على أنها واجبة؛ لأنه لا تنفي إلا لنفي بعض واجباته، وإن ذكر فضل ((إيمان)) صاحبها ولم ينف إيمانه دلَّ على أنها مستحبَّةً.
١٩ - ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (سورة فاطر، الآية: ٢٨). والخشية أبداً متضمَّنة للرَّجاء، ولولا ذلك لكانت قُنوطاً. كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً. فأهل الخوف لله والرجاء له، هم أهل العلم الذين مدحهم الله.
٢٠ - لما ذكر في العقل أنه العلم، قال: فلابد مع ذلك أنه علم يعمل بموجبه، فلا يسمى عاقلاً إلا من عرف الخير فطلبه، والشر فتركه.
٢١ - ومن أتى الكبائر مثل الزنا والسرقة أو شرب الخمر وغير ذلك، فلابد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية، والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه. وهذا من الإيمان الذي يُنْزع عنه عند فعل الكبيرة.
٢٢ - والمقصود هنا أنه ينبغي للمسلم أن يُقدِّر كلام الله ورسوله، بل ليس لأحد أن يحمل كلام كل أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده، لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد؛ فإن كثيراً من الناس يتأوَّل النصوص المخالفة لقوله،
12
يسلك مسلك من يجعل التأويل كأنه ذكر ما يحتمله اللفظ وقصده به دفع ذلك المحتج بذلك عليه. وهذا خطأ، بل جميع ما قاله الله ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، وليس الاعتناء في مراده في أحد النصين دون الآخر بأوْلى من العكس، فإذا كان النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الله ورسوله، فكذلك النص الآخر الذي تأوَّله؛ فيكون أصل مقصوده: معرفة ما أراد الله ورسوله بكلامه. وهذا هو المقصود بكل ما يجوز من تفسير وتأويل.
٢٣ - فكل مسألة يقطع فيها بالإجماع، وبانتفاء المنازع من المؤمنين، فإنها مما بيَّن الله فيه الهدى. ومخالف مثل هذا الإجماع يكفر كما يكفر مخالف النص البيِّن. وأما إذا كان ظن الإجماع، ولا يقطع به، فهنا أيضاً قد لا يقطع بأنها مما تبين فيه الهدى من جهة الرسول. ومخالف مثل هذا الإجماع قد لا يكفر، وهذا هو فصل الخطاب فيما يكفر به من مخالفة الإجماع وما لا يكفر.
والإجماع: هل هو قطعي الدلالة، أو ظني الدلالة ؟
٢٤ - ومن لم يكن في قلبه بغض ما يبغضه الله ورسوله، من المنكر الذي حرَّمه من الكفر والفسوق والعصيان، لم يكن في قلبه الإيمان الذي أوجبه الله عليه، فإن من لم يكن مبغِضاً لشيء من المحرَّمات أصلاً لم يكن معه إيمان أصلاً.
٢٥ - ((الإيمان)) إذا أطلق في كلام الله ورسوله، يتناول فعل الواجبات، وترك المحرَّمات، ومن نفي الله ورسوله عنه الإيمان فلابد أن يكون ترك واجباً أو فعل محرَّماً، فلا يدخل في الاسم الذي يستحقُّ أهله الوعد دون الوعيد، بل يكون من أهل الوعيد.
٢٦ - وكل مقصود؛ إما أن يقصد لنفسه، وإما أن يقصد لغيره. فإن كان منتهى مقصوده ومراده : عبادة الله وحده لا شريك له، وهو إلهه الذي يعبده لا يعبد سواه، وهو أحب إليه من كل من سواه، فإن إرادته تنتهي إلى (إرادة) وجه الله،
13
فيُثاب على مباحاته التي يقصد بها الاستعانة على الطاعة. وإن كان أصل مقصوده عبادة غير الله، لم تكن الطيِّبات مباحة له، فإن الله إنما أباحها للمؤمنين من عباده، بل الكفار وأهل الجرائم والذنوب وأهل الشهوات يحاسبون يوم القيامة على نِعَم الله التي تنعَّموا بها، فلم يشكروه، ولم يعبدوه بها، ويقال لهم ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتَم بِهَا﴾ (سورة الأحقاف، الآية: ٢٠).
وأما إذا فعل المؤمن ما أبيح له قاصداً للعدول عن الحرام إلى الحلال، لحاجته إليه، فإنه يُثاب عليه. وأما ما لا يحتاج إليه الإنسان من قول وعمل، بل يفعله عبثاً، فهذا عليه لا له، لحديث: ((كُلُّ كَلامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ، لا لَهُ، إِلاَّ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْياً عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرَ الله))، (( وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِالله وَاَلْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لَيَصْمُتْ)). فأمر المؤمن بأحد أمرين: إما قول الخير أو الصِّمات. ولهذا كان قول الخير خيراً من السكوت عنه، والسكوت عن الشر خيراً من قوله؛ إذ ليس من شرط ما عليه أن يكون مستحقاً لعذاب جهنم، وغضب الله، بل نقص قدره ودرجته عليه.
٢٧ - ولفظ الصالح والشهيد يذكر مفرداً فيتناول النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء، ويذكر مع غيره فيفسر بحسبه.
٢٨ - ولفظ الفسوق والعصيان والكفر: فإذا أطلقت المعصية والفسوق (تناولت) الكفر فما دونه، وإذا قيدت أو قرنت مع غيرها كانت على حسب ذلك.
٢٩ - فالشفاعة الحسنة: الإعانة على الخير الذي يحبه الله ورسوله، من نفع من يستحق النفع، ودفع الضَّرِّ عمَّن يستحق دفع الضر عنه، والشفاعة السيئة: الإعانة على ما يكرهه الله ورسوله، كالشفاعة التي فيها ظلم الإنسان، أو منع الإحسان لمن يستحقه.
٣٠ - الإله هو المستحقُّ للعبادة، فكل ما يعبد به فهو من تمام تألَّه العباد له، فمن استكبر عن بعض عبادته، سامعاً مطيعاً في ذلك لغيره، لم يحقق قول: لا إله إلا الله، في هذا المقام.
14
٣١ - وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أرباباً من دون الله ، حيث أطاعوهم في تحليل ما حرَّم الله، وتحريم ما أحلَّ الله، على وجهين.
أحدهما: أن يعلموا أنهم بدَّلوا دين الله، فيتبعوهم على التبديل، فيعتقدون تحريم ما أحلَّ الله ، وتحليل ما حرَّم الله ، اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصَلُّون لهم، ويسجدون لهم، فكان من اتبع غيره في خلاف الدين، واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله، مُشركاً مثل هؤلاء.
الثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحلال وتحريم الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله ، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها (معاصٍ)، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب.
٣٢ - ثم ذلك المحرِّم للحلال، والمحلل للحرام، إن كان مجتهداً قصده اتباع الرسول، لكن خفي عليه الحق في نفس الأمر، وقد اتقي الله ما استطاع، فهذا لا يؤاخذه الله بخطئه، بل يُثيبه على اجتهاده الذي أطاع به ربه. ولكن من علم أن هذا خطأ فيما جاء به الرسول، ثم اتبعه على خطئه، وعدل عن قول الرسول، فهذا له نصيب من هذا الشرك الذي ذمَّه الله ، لاسيما إن اتبع في ذلك هواه، ونصره باللسان واليد، مع علمه أنه مخالف للرسول. فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه. ولهذا اتفق العلماء على أنه: إذا عرف الحق، لا يجوز تقليد أحد في خلافه، وإنما تنازعوا في جواز التقليد للقادر على الاستدلال. وإن كان عاجزاً عن إظهار الحق الذي يعلمه، فهذا يكون كمن عرف أن دين الإسلام حق، وهو بين النصارى، فإذا فعل ما يقدر عليه من الحق، لا يؤاخذ بما عجز عنه.
٣٣ - وأما إن كان المتبع للمجتهد عاجزاً عن معرفة الحق عن التفصيل، وقد فعل ما يقدر عليه مثله من الاجتهاد في التقليد، فهذا لا يُؤاخذ إن أخطأ، كما في القبلة.
15
وأما إن قلد شخصاً دون نظيره، بمجرد هواه، ونصره بيده ولسانه، من غير علم أن معه الحق، فهذا من أهل الجاهلية. وإن كان متبوعه مصيباً لم يكن عمله صالحاً، وإن كان متبوعه مخطئاً كان آثماً.
٣٤ - الظلم المطلق يتناول الكفر، ولا يختص بالكفر، بل يتناول أيضاً ما دونه، وكلُّ بحسبه، كلفظ الذنب والخطيئة والمعصية، فإن هذا يتناول الكفر والفسوق والعصيان.
٣٥ - إذا أطلق الصلاح تناول الخير كله، وإذا أطلق الفساد تناول الشر كله، وكذلك المصلح والمفسد.
٣٦ - ليس لفظ ((الإيمان)) في دلالته على الأعمال المأمور بها دون لفظ الصلاة والصيام والزكاة والحج، في دلالته على الصلاة الشرعية والصيام الشرعي والزكاة الشرعية والحجِّ الشرعي، سواء قيل إن الشارع نقله أو زاد الحكم دون الاسم، أو زاد الاسم وتصرَّف فيه تصرف أهل العرف، أو خاطب بالاسم مقيداً لا مطلقاً.
٣٧ - أهل البِدَع لا يعتمدون على الكتاب والسنة وآثار السلف من الصحابة والتابعين، وإنما يعتمدون على العقل واللغة. وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة، والحديث، وآثار السلف، وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التي وضعتها رؤوسهم. وهذه طريقة الملاحدة أيضاً: إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة وكتب الأدب واللغة، وأما كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتفتون إليها. هؤلاء يُعُرِضون عن نصوص الأنبياء، إذ هي عندهم لا تفيد العلم. وأولئك يتأوَّلون القرآن برأيهم وفهمهم، بلا آثار عن النبي ﷺ وأصحابه. قال أحمد: أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس.
٣٨ - إذا تدبرت حجج أهل الباطل، رأيتها دعاوى لا يقوم عليها دليل.
16
٣٩ - إذا أمر بعبادة الله مطلقاً، دخل في عبادته كل ما أمر الله به، وكذلك الطاعة والتقوى والبر والهدى. وإذا قُرن كل منها بغيره فُسر بما يناسب المقام. ومن ذلك تعبير السلف عن الإيمان أنه قول وعمل ونية، أو قول وعمل ونية واتباع سنة، مع شمول كل تعبير منها.
٤٠ - لفظ ((الإيمان)) إذا أطلق في الكتاب والسنة، يراد به ما يراد بلفظ البرِّ، ويلفظ التقوى، وبلفظ الدين. فكل ما يحبه الله ورسوله يدخل في اسم ((الإيمان)).
٤١ - لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه، ولا يبدعة ابتدعها، ولو دعا الناس إليها، كافراً في الباطِن، إلا إذا كان مُنافقاً. فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول، وما جاء به، وقد غلط فيما تأوَّله من البدع، فهذا ليس بكافر أصلاً.
٤٢ - وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقة: من كان منهم منافقاً فهو كافر بالباطن، ومن لم يكن منافقاً بل مؤمناً بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافراً بالباطن، وإن أخطأ في التأويل، كائناً ما كان خطؤه.
وقد يكون في بعضهم شعبة من النِّفاق، ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال إن الثنتين والسبعين فرقة كال واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، رضوان الله عليهم، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفَّر كل واحدة من الثنتين والسبعين فرقة، وإنما يكفر بعضهم بعضاً ببعض المقالات.
٤٣ - إذا كان (الإيمان)) المطلَّق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله، فإذا ذهب بعض ذلك، فنصوص الرسول وأصحابه تدلّ على ذَهاب بعضه وبقاء بعضه، ولهذا كان السلف يقولون: إنه يتفاضل، ويزيد وينقُص، والناس فيه متفاوتون بحسب قيامهم به وبلوازمه ومکملاته.
٤٤ - وزيادة ((الإيمان)) من وجوه :
17
أحدهما: الإجمال والتفصيل فيما أمروا به.
الثاني: الإجمال والتفصيل فيما وقع منهم.
الثالث: أن العلم والتصديق يكون بعضه أقوى من بعض، وأثبت وأبعد من الشك والريب.
الرابع: أن التصديق المستلزم لعمل القلب، أكمل من التصديق الذي لا يستلزم عمله.
الخامس والسادس: أن أعمال القلوب والجوارح تتفاوت تفاوتاً عظيماً، ويتفاضل الناس بها.
السابع: ذكر الإنسان ما أمر به بقلبه، واستحضاره لذلك، بحيث لا يكون غافلاً عنه، أکمل ممن صدق به، وغفل عنه.
الثامن: قد يكون عند بعض المؤمنين كثير من التفصيلات التي يُنكرونها، لجهلهم أنها مما جاء به الرسول ﷺ، فيكون ذلك نقصاً عمن ليس كذلك.
٤٥ - فمن علم ما جاء به الرسول ﷺ، وعمل به، أكمل ممن أخطأ ذلك، ومن علم الصواب بعد الخطأ، وعمل به، فهو أکمل ممن لم یکن کذلك.
٤٦ - المؤمن المطلق الممدوح الذي إيمانه يمنعه من دخول النار، هو الذي أدَّى الواجبات، وترك المحرَّمات. وأما من أطلق عليه اسم ((الإيمان))، ودخل في الأمر والنهي، وفي ذمَّ الشارع له على بعض الأفعال أو التروك، فهذا الذي معه أصل الإيمان، ولكنه يتجرأ على بعض المحرمات، ويترك بعض الواجبات، فهذا إيمانه يمنعه من الخلود في النار.
٤٧ - ومما ينبغي أن يعلم: أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث، إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي ﷺ، لم يُحتجْ في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم. ولهذا قال الفقهاء: الأسماء ثلاثة أنواع: نوع يُعرف حدُّهُ
18
بالشرع، كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف حده باللغة، كالشمس والقمر، ونوع يعرف حده بالعرف، كلفظ القبض، والمعروف في قوله: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (سورة النساء، الآية: ١٩).
٤٨ - والتحقيق أن النبي ﷺ حين اقتصر على الشهادتين وبقية الخمس، مع أنه يوجد واجبات كثيرة غيرها: أنه ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربِّه مطلقاً الذي يجب لله عبادة محضة على الأعيان، فيجب على من كان قادراً عليها ليعبد الله بها مخلصاً له الدين. وهذه هي الخمس، وما عدا ذلك فإنه يجب بأسباب لمصالح، فلا يَعْمُّ وُجوبها جميع الناس.
٤٩ - قد يكون من ((الإيمان)) ما يُؤمر به بعض الناس، ويُذم على تركه، ولا يذم عليه بعض الناس ممن لا يقدر عليه، ويفضَّل الله ذاك بهذا ((الإيمان))، وإن لم يكن المفضول ترك واجباً .. وكذلك في الأعمال الظاهرة: قد يُعطي الإنسان مثل أجر العامل، إذا كان يؤمن بها ویریدها جهده، ولکن بدنه عاجز.
٥٠ - فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ بالأسباب التي تفضّل الله بها عليهم وخصّهم بها، وهكذا سائر من يفضله الله، فإنه يفضِّله بالأسباب التي يستحق بها التفضيل بالجزاء، كما يخصُّ أحد الشخصين بقوّةً ينال بها العلم، وبقوة ينال بها اليقين والصبر والتوكل والإخلاص، وغير ذلك مما يفضل الله به.
٥١ - أخبر الله في غير موضع أنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء. وقد بيَّن. في مواضع أسباب المغفرة وأسباب العذاب. وكذلك يرزق من يشاء بغير حساب، وقد عرف أنه يخصّ من يشاء بأسباب الرزق.
٥٢ - الإنسان قد يكون فيه شُعبة إيمان ونفاق، وكفر وإسلام، وخير وشر، وأسباب الثواب وأسباب العقاب، بحسب ما قام به من أصول ((الإيمان)) ولوازمه وفروعه، وما ضيعه منها.
19
٥٣ - فالمسلمون سنَّيهم وبدعيّهم متفقون على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعلى وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومتفقون على أن من أطاع الله ورسوله فإنه يدخل الجنة ولا يعذب، وعلى أن من لم يؤمن بأن محمداً رسول الله فهو كافر، وأمثال هذه الأمور التي هي أصول الدين وقواعد ((الإيمان)) التي اتفق عليها المنتسبون للإسلام و((الإيمان)).
فتنازُعهم بعد هذا في بعض أحكام الوعيد، وبعض معاني بعض الأسماء: أمر خفيف بالنسبة إلى ما اتَّفق عليه، مع أن المخالفين للحق البيِّن من الكتاب والسنة هم عند جمهور الأمة معروفون بالبدعة، مشهود عليهم بالضلالة، ليس لهم في الأمة لسان صدق ولا قبول عام، كالخوارج والروافض والقدَرية ونحوهم، وإنما يتنازع أهل العلم والسنة في أمور دقيقة تخفى على أكثر الناس، ولكن يجب ردَّ ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله . والله أعلم.
ومن رسالة العبودية
وأصل ضلال من ضل، هو تقديم قياسه على النص المنزل من عند الله، واختياره الهوى على اتِّباع أمر الله.
٥٥ _ فالمخالف لما بعث الله به رُسله من عبادته وطاعته وطاعة رسله، لا يكون متَّبعاً للدين الذي شرعه الله ، بل يكون متبعاً لهواه بغير هدى من الله.
٥٦ - والعبادة والطاعة والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم ونحو ذلك من الأسماء، ومقصودها واحد، ولها أصلان:
أحدهما: أن لا يعبد إلا الله.
الثاني: أن يعبده بما أمر، لا بغير ذلك من الأهواء والبدع.
٥٧ - كمال المخلوق في تحقيقه عبوديته لله ، وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد کماله، وعلت درجته.
20