وصمتت من شدة معاناة اليأس، ثم واصلت: معنى هذا أنه يجب أن تهجرني.
تساءل بامتعاض: إلى أين؟
أجابت بصوت لا يكاد يسمع: إلى أبيك!
رفع حاجبيه المقرونين في ذهول هاتفا: أبي؟!
فهزت رأسها علامة الإيجاب، فقال: لكنه ميت، أنت قلت إنه مات قبل مولدي. - قلت ذلك ولكنه ليس من الحقيقة في شيء! - أبي حي! شيء مذهل حقا، أبي حي!
وجعلت ترمقه بنظرة استياء، ومضى هو يقول: أبي حي! لكن لم أخفيت عني ذلك؟ - آه، جاء دور الحساب! - أبدا، ولكن ألا يحق لي أن أسأل؟ - أي أب في الدنيا كان يمكن أن يهيئ لك من أسباب السعادة بعض ما هيأت لك؟ - لا أنكر شيئا من هذا أبدا. - إذن فلا تحاسبني واستعد للبحث عنه! - البحث؟! - نعم، إني أتحدث عن رجل كنت امرأة له منذ ثلاثين عاما، ثم لم أعد أدري عنه شيئا.
قطب في حيرة وتهاوى جذعه الذي أطلقه الانفعال: أمي ما معنى هذا كله؟ - معناه أني أوجهك إلى المخرج الوحيد من ورطتك. - لعله قد مات! - ولعله حي! - وهل أضيع عمري في البحث عن شيء قبل التأكد من وجوده؟ - ولكنك لن تتأكد من وجوده إلا بالبحث، وهو خير على أي حال من بقائك بلا مال، ولا عمل، ولا أمل. - موقف غريب لن أحسد عليه. - بديله الوحيد أن تعمل برمجيا، أو بلطجيا، أو قوادا، أو قاتلا، فلا بد مما ليس منه بد! - وكيف يمكن أن أعثر عليه؟
تنهدت من الأعماق وهي تزداد تعاسة بالعودة إلى الماضي: أما اسمه فهو المسجل في شهادة ميلادك؛ سيد سيد الرحيمي، وقد أحبني منذ ثلاثين عاما وكان ذلك في القاهرة. - القاهرة! ليس أيضا في الإسكندرية! - إني أعلم أن مشكلتك الحقيقية ستكون في العثور عليه. - لم لم يبحث عني هو؟ - إنه لم يعلم بك.
قطب صابر، واستقرت في عينيه نظرة احتجاج مكفهرة، فقالت: انتظر، لا تنظر إلي هكذا، واسمع بقية الحديث عنه، إنه سيد ووجيه بكل معنى الكلمة، لا حد لثروته ولا نفوذه، لم يكن في ذلك الوقت إلا طالبا بالجامعة، ومع ذلك كانت الدنيا تهتز لدى محضره.
تابعها بنظرة تجلى فيها الاهتمام المشوب بالفتور، فقالت: أحبني، وكنت بنتا جميلة ضائعة، وحفظني سرا في قفص من ذهب. - تزوجك؟ - نعم، وما زلت أحتفظ بشهادة الزواج. - ثم طلقك؟
Bog aan la aqoon