هذه هي الخطوبة الثانية، أما الثالثة فقد دلت - والحمد لله - على أننا نحن السيدات كالعبيد، كلما كبرنا رخص ثمننا.
كنت ناظرة مدرسة المعلمات بالإسكندرية في سنة 1919 على ما أتذكر؛ أي بعد الحادثة الثانية بست سنوات، فوصلني خطاب قد كتب فيه كاتبه ما يربو على 7 صفحات. أخذت أقرأ «ويلت الرجل ويعجن كما يقولون»، ويصف لي حاله وعمره ومرتبه، وهو - والحمد لله - ستة جنيهات، وهو أيضا كمساري على ما أظن في السكة الحديد، حسبت وهو يشرح لي هذا أنه يشكو لي ضيق حاله، وأنه يطلب مني المعونة كما كان الكثيرون يفعلون ذلك، ولكن كم كانت دهشتي شديدة عندما قال في خطابه: «إني إذا حادثت رجلا دقيقة أو دقيقتين أتجرأ على الكلام معه، وأنا الآن قد كتبت لك ما يزيد على ست صفحات، وإذن أصارحك برأيي بكل شجاعة وجرأة، وهو أني أريد الزواج منك، ولا أريد أن أرجع لأهلك في هذا الموضوع؛ لأني أسير على تعاليم المدنية الحديثة.» عجبت حقيقة من تلك الجرأة، ومن ذلك المنطق المعتل الخاطئ، كيف يجرؤ علي بذلك الكلام لا لسبب سوى أنه كتب لي ست صفحات، هل كنت أنا حاضرة عند كتابة ذلك حتى يعد سكوتي على تلك الكتابة مبررا لجرأته علي؟ حقا إنه منطق عجيب، خصوصا وقد حدد لي 24 ساعة إبداء رأيي في الموضوع.
كنت في ذلك الوقت لا أرفض الزواج فحسب، بل أعد طلب الزواج ممن كانت في سني جريمة أو إهانة تلحق بي لا يغسلها إلا الدم، غضبت لهذا، وأردت أن أنتقم منه، وفكرت في حيلة لذلك الانتقام، وقلت أرسل إليه خطابا مع خادمي أقول فيه إني قبلت ما عرضه علي، وإذا قبل هذا أرسلته إلى منزل أحد أقاربي، فأعقد خطبته على امرأة غسالة كانت بالمدرسة، واسمها فاطمة، ولا بأس فنبوية تكتب في شهادة الميلاد فاطمة النبوية، حتى إذا تمت الحيلة، ودخل على صاحبته، عرفته مقدار مدنيته الحديثة من طلب الزواج من امرأة لم يرها، وهنأته بالزيجة الخيرة المباركة.
دققت الجرس للساعي فحضر، ووقف بعد أن كتبت جواب الرضا، وأردت أن أسلمه إليه، ولكن عز على نفسي أن يذهب الساعي إليه بذلك الجواب فيفهم منه أني قبلت الزواج منه، وهي سبة لست أرضى أن يظنها خادمي، ولو ربع ساعة، فترددت في الأمر، ثم نظرت إلى الساعي، وقلت له: اخرج.
وقد انتقمت لا منه، بل من خطابه فمزقته إربا، واكتفيت بهذا.
وهكذا أنا - والحمد لله - لا أنتقم من ضعيف.
إحلال النساء محل الرجال في الوظائف ونتائجه السيئة على شخصي
الضعيف
كانت كل أمنيتي من دخول امتحان البكالوريا أن أكون كالرجال في درجات الوظائف، وقد كان، فقد أعطتني الوزارة مرتبا قدره 12 جنيها كخريجي مدرسة المعلمين العليا.
ولهذه المناسبة الطريفة أقول إن مرتب خريجي دار العلوم العليا في ذلك الوقت كان ستة جنيهات فقط، وكان مرتبي ضعف مرتب المعلم من دار العلوم، وقد شاء الله أن تنسى وزارة المعارف قراراتها القديمة، وأن تعتبرني الآن من معلمات السنية، ويظهر أن للكبر أثرا، وعلى هذا الاعتبار المعكوس الذي لا أفهم معناه كانت تعطيني الوزارة - بارك الله فيها - إعانة شهرية مقدارها أربعة جنيهات، وسبحان مغير الأحوال، والظاهر أن ما نقصه خريجو دار العلوم من المعلومات في عصرهم الحالي زادوا به مالا، ولله في خلقه شئون.
Bog aan la aqoon