Taariikhda Ummadaha Casriga Rashiduun
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Noocyada
خلفنا الفتوح الإسلامية في العراق على عهد الصديق، تنتهي في الجزيرة الفراتية على يد سيف الله خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة، ورأينا أن الصديق قد كتب إلى خالد أن يترك العراق وينجد الجيش الإسلامي في الشام، فخلف المثنى بن حارثة في الجزيرة وسار نحو الشام، وكان من أمره ما كان.
أما المثنى فإنه اتخذ الحيرة مقره، وأخذ يجيش فيها الجيوش، ويهيئها للمعركة الكبرى التي علم بأن الفرس قد استعدوا لها أيما استعداد، فكتب إلى الخليفة يستمده، فندب الخليفة الناس للذهاب إلى أهل فارس ومعاضدة جيش المثنى بن حارثة الشيباني في العراق، وخطبهم خطبة أثارت غيرتهم وحماستهم قال فيها: «أيها الناس، إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النجعة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك، أين الطراء يهاجرون عن موعود الله، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها، فإنه قال:
ليظهره على الدين كله ، والله مظهر دينه ومعز ناصره، ومولي أهله مواريث الأمم، أين عباد الله الصالحون ...»
فكان أول منتدب أبا عبيد بن مسعود، ثم سعد بن عبيد أو سليط بن قيس، فبعث عمر أبا عبيد قائدا على الجيش، وأوصاه أن يسمع لأصحاب رسول الله، ويشركهم في الأمر، ولا يجتهد مسرعا حتى يتبين، فإنها الحرب، والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة، وسار أبو عبيد حتى أتى المثنى، فسارا جميعا حتى التقوا بالجيش الفارسي الذي يقوده «جابان» عند الخارق، وكان قتال شديد بين الطرفين، وهزم الله الفرس وأسر «جابان»، وقسم أبو عبيد الغنائم، وبعث بالأخماس إلى الخليفة، ثم قصد أبو عبيد «كسكر» وعليها «نرس»، وبينما هو في الطريق عند «السقاطين» لقيه جمع من الفرس، فقاتلهم وهزمهم، وغنم منهم غنائم كثيرة فيها كثير من الأطعمة، وسار نحو «كسكر» فالتقى بالقائد «نرس» وقاتله أشد قتال حتى اضطره إلى الهرب، وخلف خلفه خزائن وأموالا جسيمة وأطعمة كثيرة، فاستولى على ذلك، وبعث بالخمس إلى الخليفة وكتب إليه: «إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يجمعونها وأحببنا أن تروها، ولتذكروا إنعام الله وأفضاله.» ثم سرح أبو عبيد المثنى إلى «باروسما» فهزم من تجمع منها، وأخرب وسبى وغنم، ولما عظمت نكبات الفرس استمدوا «بوران»، وكانت على العرش، فأمدتهم بالجالينوس - وهو من صناديد أبطالهم - في جيش كبير، وسار الجالينوس نحو «باقسياتا»، فهل له أبو عبيد في جمع من المسلمين وهزم «الجالينوس»، وتم النصر لأبي عبيد، وفي ذلك يقول عاصم بن عمرو:
صبحنا بالبقايس رهط كسرى
صبوحا ليس من خمر السواد
صبحناهم بكل فتى كمي
وأجرد سابح من خيل عاد
ولما تتابعت الهزائم على الفرس وضاق «رستم» بهذا الفشل المريع، عزم على أن يضرب المسلمين ضربة قاسية، فجيش جيشا هائلا عقد لواءه لبطل من أبطالهم، هو: «بهمن جاذويه» المعروف بذي الحاجب، ومعه الجالينوس وسائر أبطال الفرس، وعدد كثير من الفيلة، وفي المقدمة راية كسرى العظمى المعروفة «بدرفش كابيان»، وسار الفرس حتى بلغوا شاطئ الفرات عند «قس الناطق».
وكان أبو عبيد معسكرا على شاطئ الفرات عند المروحة قرب «البرج» و«العاقول»، فبعث بهمن يخبر أبا عبيد أن يعبر أحدهما إلى صاحبه، فقال أبو عبيد: نحن نعبر إليكم، ولم يوافق قواد المسلمين على العبور، وأشاروا على أبي عبيد أن يدعوهم إلى العبور، فقال لهم: لا يكونوا أجرأ منا على الموت، بل نعبر إليهم. فعبروا إليهم، واشتد القتال بين الجيشين، وأسرعت السيوف في أهل الفرس، وأصيب منهم عدد كبير، ولم يبق بين المسلمين وبين النصر إلا القليل - على الرغم مما لقوا من الفيلة - ولكن أحد الفيلة تمكن من أبي عبيد فقتله، وأخذ اللواء نفر كان سماهم أبو عبيد قبل دخول المعركة إن أصابه شيء، إلى أن أخذ اللواء المثنى، وكان الناس قد هربوا، فلما رأى عبد الله بن مرثد الثقفي ذلك بادر إلى الجسر فقطعه وقال: أيها الناس، موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا، فانتهى إليه الناس وسيوف الفرس تأخذهم من ورائهم، وغرق في الفرات من لم يصبر على الماء، وحمى المثنى من لقي من فرسان المسلمين ، وهلك من المسلمين يومئذ أربعة آلاف ما بين قتيل وغريق، وهرب ألفان وبقي ثلاثة آلاف، وجرح المثنى، وانهزم بعض المسلمين حتى أتوا المدينة واستخفى بعضهم بين القبائل، وبعث المثنى بالخبر إلى عمر فاشتد حزنه على ذلك، ولكنه لم يتخاذل، بل أخذ يشجع الناس ويسكن الهاربين ويلاطفهم ويقول لهم: لا تجزعوا أيها المسلمون، أنا فئتكم إنما انحزتم إلي، ولم يتمكن الفرس من استثمار ذلك النصر الذي أحرزوه، فإنهم لم يتعقبوا فلول المسلمين؛ لأن بعض الثورات الداخلية كانت قد نشبت في بلادهم وثار الناس في المدائن على رستم، وانقسموا قسمين، فاضطر «بهمن جاذويه» على أن يرجع بجنده إلى المدائن.
Bog aan la aqoon