Taariikhda Ummadda Casriga Barwaaqada
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Noocyada
ومهما يكن السبب، فإن رافعا استطاع أن يجمع جموعا كبيرة من الخراسانيين والعرب ويستولي على سمرقند وبلخ وأشروسنة، ولا شك في أن ظلم علي بن عيسى قد لعب دورا كبيرا في نجاح حركة رافع، ويذكر ابن واضح اليعقوبي أن أهل فرغانة والصغانيان وأشروسنة وبخارى وخوارزم كلهم التفوا حول رافع كرها للعباسيين وتخلصا من ظلم علي بن عيسى، وقد اجتمعت لرافع أسباب أخرى غير هذه قوت مركزه؛ منها أن حكام بلاد الشاش وبلاد الترك قد رأوا في ثورة رافع على العباسيين إنقاذا لهم من خطر الغزو العباسي، فأيدوه في حركته الانفصالية التي أخذت تقوى حتى صار سلطان رافع يعظم، ومات الرشيد والفتنة ما تزال قوية، وفي عهد المأمون استسلم رافع ورجعت البلاد التي كانت تحت سطوته إلى حوزة الدولة العباسية. (2-4) فتنة الخوارج
كان الخوارج ساكنين مسالمين بعد الضربات القوية التي تلقوها أيام مروان بن محمد في آخر الدولة الأموية، وأيام أبي مسلم في صدر الدولة العباسية، ولكن يظهر بعد أن رأوا آثار ضعف في الدولة الجديدة أنهم استجمعوا قواهم خلال الفترة التي أعقبت زمن المهدي، ورأوا تساهل الرشيد في أول عهده وتسامحه فعزموا على تجديد نشاطهم، وفي سنة 178ه خرج الوليد بن طريف أحد الخوارج الشراة في نصيبين من أرض الجزيرة، ففتك بعاملها وهزم الجيش العباسي، وأخذ سلطان طريف يتسع حتى بلغ أرمينية وأذربيجان، وأخذ يهدد العراق نفسه، فبعث الرشيد إليه جيشا بقيادة يزيد بن مزيد الشيباني للقضاء على حركته، فالتقى جمعاهما وقتل يزيد وليدا سنة 179ه، فتولت ليلى بنت طريف أخته مكان أخيها وكانت عاقلة قوية، فاستطاع يزيد أن يتغلب عليها وتمكن من أن يقضي على هذه الفتنة. (2-5) فتن الشام
كانت بلاد الشام في زمن قديم مسرحا لفتن داخلية تشب نارها بين الحين والحين في عهد أمية بسبب الانقسامات القبلية بين العدنانية والقحطانية، ويظهر أن روح هذه الحركة أخذت تمد رأسها من جديد في العهد العباسي، وقد شجع العباسيون هذه الروح للتخلص من خصوم أقوياء كان هواهم مع بني أمية، ولكنهم أخذوا يحسون بعد أن عظم الخطر أن الأمر أجل من أن يسكت عنه؛ لأن الدماء أخذت تسيل بين الجانبين بكثرة، حتى بات أمن البلاد مهددا، وأصبحت الطرق التجارية والمواصلات الاقتصادية مضطربة، فأخذت الدولة تفكر في سبيل وضع حد لهذه الفوضى والفتنة، ومن تلك الفتن فتنة سنة 176ه حين قام اليمانية ضد النزارية، واشتبكوا اشتباكا قلقل راحة البلاد، وكان عامل الشام موسى بن عيسى فلم يستطع إخماد الفتنة وكتب إلى الخليفة ، فأرسل الرشيد إليه موسى بن يحيى بن خالد البرمكي على رأس جيش ليعيد الأمن إلى نصابه ويهدئ الثورة، وكان موسى حازما عاقلا فاستطاع أن يعيد الهدوء ويصلح بين الطرفين النزارية والقحطانية، وقد فصل الطبري في حوادث سنة 176ه مواقع هذه الفتنة وأخبارها، ولم تمض فترة حتى نشبت الثورة من جديد بين الجانبين، فقضت عليها الدولة أيضا، ثم تكررت ثالثة ورابعة إلى أن كانت سنة 180ه ففيها وقعت حوادث جسام بين الجانبين، واضطر الرشيد إلى أن يبعث جعفر بن خالد البرمكي ليقضي على الثورة، كان جعفر بارعا وموفقا بالقضاء على تلك الثورة وإخماد نيران الحوادث الدامية فيها وإعادة الطمأنينة إلى البلاد، والحق أن روح العصبية القبيلة البدوية المقيتة التي كانت تسيطر على الجانبين كانت سبب معارك ومذابح لم تزل باقية حتى أيامنا هذه، ولا بأس من إيراد مقطوعة قالها منصور النمري يصف فيها الثورة التي وقعت بين الجانبين في سنة 180ه، ويذكر جهود جعفر البرمكي في القضاء عليها:
لقد أوقدت بالشام نيران فتنة
فهذا أوان الشام تخمد نارها
إذا جاش موج البحر من آل برمك
عليها خبت شبانها وشرارها
رماها أمير المؤمنين بجعفر
وفيه تلاقى صدعها وانجبارها ... لقد نشأت بالشام منك غمامة
يؤمل جدواها ويخشى دمارها
Bog aan la aqoon