Taariikhda Ummadda Casriga Barwaaqada
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Noocyada
ولما استقرت له الأمور في عاصمته الجديدة وترتبت الأقاليم الإسلامية ونظمت شئون الدولة رأى أن يعهد بالأمر من بعده لأخيه جعفر المنصور، فجعله ولي عهد المسلمين، ومن بعده يكون عيسى بن موسى بن محمد بن علي، وكتب بذلك عهدا ختم عليه بخاتمه وخواتيم أهل بيته، ودفعه إلى عيسى بن موسى، ثم كانت وفاته بالأنبار بعلة الجدري في 13 ذي الحجة سنة 136ه/754م، ودفن بقصره فيها وهو في مطلع العقد الرابع من العمر.
الفصل الثاني
أبو جعفر المنصور
ذو الحجة 136ه-158ه/754-775م
أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأمه أم ولد اسمها سلامة.
ولد بالحميمة سنة 101ه وحفظ القرآن ووعى الحديث ورواه، وأتقن الكتابة وبرع في الأدب، قال اليعقوبي وابن دحية: «وكان حافظا لكتاب الله العظيم متبعا لآثار رسول الله، فقيها محدثا كاتبا بليغا.»
ولما انتقل أخوه أبو العباس من الحميمة إلى الكوفة كما رأينا كان معه، فشد عضده بالقيام بأعباء الملك وعمل على تدعيمه، وتولى إمرة الجزيرة وأرمينية وأذربيجان، فوطد أركان الدولة فيها على أحسن نظام، ثم بعثه أخوه أميرا على الحج في السنة التي توفي فيها، فمات السفاح سنة 136ه والمنصور في الحجاز، فأخذ له البيعة عيسى بن موسى وكتب إليه يعلمه بوفاة أخيه، يعزيه ويهنئه، فقفل أبو جعفر راجعا، ولما دخل الأنبار بويع البيعة العامة بالخلافة في ذي الحجة من تلك السنة.
تولى المنصور الخلافة ولم تكن دعائمها قد وطدت تماما بعد، وكان عليه أن يسد ثلاث ثغرات: «أولاهن» الثغرة التي انفتحت عليه بمنافسة عمه عبد الله بن علي إياه، فقد كان سيدا جليلا مهابا نبيه الذكر ذا نفوذ قوي في خراسان والشام والجزيرة والموصل، وكان يطمع في الخلافة، و«ثانيهن» ثغرة أبي مسلم الذي أخذ سلطانه يقوى وصولته تشتد، و«ثالثتهن» الثغرة التي يكمن وراءها الطامحون من آل علي (عليهم السلام) الذين لا تزال قلوب الناس معهم، وكان على رأس العلويين محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بذي النفس الزكية.
أما عمه عبد الله بن علي فكان يطمح في الخلافة بعد السفاح، ويروي المسعودي في «مروج الذهب» أن أبا العباس السفاح قد جعل ولاية العهد بعده لمن قتل مروان بن محمد وكان الأمير عبد الله بن علي هو الذي قتله، وكان عبد الله حين مات السفاح أميرا على الشام، فلما بلغته وفاته وإعلان بيعة المنصور أعلن عصيانه وجمع جنده ونادى بنفسه أميرا للمؤمنين، فبايعه القادة على ذلك، وقد راقت هذه الحركة للشاميين الذين ما زال حب بني أمية مشربا في قلوبهم، ويسرهم أن يروا الخلاف يدب بين صفوف العباسيين وينقسموا على أنفسهم فتذهب ريحهم، ولما بلغت أخبار حركة عبد الله مسامع المنصور جند جيشا كبيرا بقيادة أبي مسلم وبعثه إلى الشام، وهو يرجو أحد أمرين: إما أن يقتل عبد الله وهو المطلوب، أو يقتل أبو مسلم فيتخلص المنصور منه؛ لأنه أخذ يضيق ذرعا به وبطموحه، كما سنرى تفصيل ذلك فيما بعد، قال أبو أيوب المورياني وزير المنصور: «نحن لأبي مسلم أشد تهمة منا لعبد الله بن علي إلا أنا نرجو واحدة.»
1
Bog aan la aqoon