Tarikh Umma Casr Intilaq
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Noocyada
من العمر أربعون سنة؛ قال محمد بن إسحق:
1
لما بلغ محمد رسول الله أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا، وأول ما بدئ به الرؤيا الصادقة، وحبب إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده ... وكان يجاور في غار حراء في كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تتحنث به قريش في الجاهلية ... وكان رسول الله يجاور ذلك الشهر في كل سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى جواره من شهره كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره أن يأتي الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله به ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها، وذلك بشهر رمضان، خرج رسول الله إلى حراء كما كان يخرج لجواره، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها، جاءه جبريل بأمر الله تعالى.
قال رسول الله: «فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي. فقال:
اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم . فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي فكأنها كتبت في قلبي كتابا، فخرجت حتى إذا كنت وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء، يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف مكاني، ثم انصرف عني، فانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة، فجلست إلى فخذها مصغيا إليها، فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت ؟ فوالله ، لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إلي. ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عم واثبت، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل فأخبرته بما أخبرها به الرسول أنه رأى وسمع، فقال: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن صدقتني يا خديجة فلقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له أن يثبت.»
فرجعت خديجة إلى رسول الله فأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول الله جواره وانصرف صنع كما كان يصنع؛ بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة ابن نوفل وهو يطوف بالكعبة، فقال له: يا ابن أختي، أخبرني بما رأيت. فأخبره، فقال: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر، ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم فلأنصرن الله نصرا يعلمه.
2
وشرع رسول الله في تبليغ رسالته إلى من يثق به من أهله وخاصته؛ فأول من أسلم به السيدة خديجة وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة مولى محمد، وأول ما فرض الله على المسلمين الوضوء والصلاة، وكانت في اليوم صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل الغروب، وكانت الصلاة ركعتين ركعتين، ولم تجعل أربعة إلا بعد الإسراء. ثم أسلم أبو بكر الصديق وكان رجلا محببا في قومه فاضلا ناسبا خيرا تاجرا، وكان الرجال يقصدونه، فجعل أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله، فكان هؤلاء الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، فصلوا وصدقوا رسول الله.
ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن الجراح، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبو مسلمة عبد الله بن عبد الأسد، وعثمان بن مظعون وأخواه قدامة وعبد الله، ثم تتابع الناس يدخلون في دين الله، حتى فشا الإسلام في مكة بعد ثلاث سنوات من الدعوة السرية. ولم يتعرض أهل مكة للمسلمين أول الأمر إلى أن جهر محمد بالدعوة تلبية لقوله تعالى:
فاصدع بما تؤمر ، فأخذ يصدع بدعوته، ثم لما نزلت الآية:
Bog aan la aqoon