Taariikhda Ummadda Carabta: Casriga Burburka
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
Noocyada
التي كان بناها ملكشاه بداية لقوة حركته، ومركزا استطاع منه أن يستولي على كثير من بلاد خوزستان وقوهستان ... وكان ابن الصباح مغرما ببناء القلاع على رأس الجبال متباعدا عن المدن متحصنا بها لئلا يسهل الوصول إلى جماعته، وقد ألف حوله جماعة من الأشداء المتعصبين فأمرهم بالفتك بمخالفيهم، ومما هو جدير بالذكر أن الحسن نظم الدعوة الفاطمية تنظيما جديدا، فسمى نفسه «داعي الدعاة» أو «رئيس الدعوة»، ثم يأتي من بعده «طبقة ثانية» هي طبقة كبار الدعاة، ويختص كل واحد منهم بإقليم من أقاليم الدعوة الثلاثة وهي «العراق» و«قوهستان» و«الشام»، ثم تليهم طبقة ثالثة هي «طبقة الدعاة» وهم الذين تدربوا في قلعة الموت، وتفرقوا في الأقاليم الثلاثة تحت إشراف «رئيس الدعوة»، وكانوا متفقهين بالمذهب الإسماعيلي عارفين بأسراره، ثم تليهم «طبقة رابعة» وهي «طبقة الرفاق» وهم الذين يطلعون على الأسرار ولا يطلب إليهم نشرها، ثم تليهم طبقة خامسة وهي «طبقة اللاصقين» وهم طبقة لم تتعمق في معرفة أسرار الدعوة وأصولها، ولكنهم ممن يتعهدون تنفيذ كل ما يطلب إليهم، ثم تليهم «طبقة سادسة» هم «طبقة الفدائيين» الذين باعوا أنفسهم من داعي الدعاة، وهم الشبان المتحمسون الذين استعان بهم الحسن على تنفيذ خططه وقتل خصومه، ثم تليهم «طبقة سابعة» وهم «طبقة المستجيبين» أو العوام الذين يدخلون في الدعوة.
وأبرز هؤلاء الطبقات نشاطا هم الفدائيون الذين كان الحسن يختارهم من الشبان الأقوياء المتحمسين البارعين في الاحتيال والتخفي واستعمال الأسلحة المتعددة، ومعرفة اللغات الكثيرة، وكان أبرز أمكنة نشاطهم المساجد والكنائس وقتل خصومهم فيها أيام الجمع والآحاد، وكان من عادتهم أن يكونوا من ثلاثة، حتى إذا ما فشل الواحد في خطته وقتل، قام الآخران بإتمام العمل، وهكذا تمكن للدعوة من قتل كثير من خصومها كالخليفتين المسترشد والراشد، الوزير ونظام الملك وغيرهم كثير، ولا شك في أن براعة الدعاة بإغراء هؤلاء الشبان هي التي جعلتهم يتحمسون بشدة لحركتهم ويتفانون في نشرها.
وقد نقل لنا المستشرق إدوار براون (في تاريخ الآداب الفارسية 2: 207) فصلا عن الرحالة الإيطالي ماركو بولو
8
الذي زار البلاد في القرن السابع، وكتب عن هؤلاء الفدائيين فصلا قال فيه: «إن زعيم الإسماعيلية، الحسن بن الصباح أمر بإنشاء حديقة متسعة غناء، في واد بين جبلين وملأها بأشجار الفاكهة المختلفة، كما أقام فيها القصور الجميلة وزينها بالذهب، وحفر فيها أقنية وفساقي ملأها خمرا ولبنا وعسلا وماء صافيا، وكان يسميها الجنة، وقد حشر فيها الجواري الحسان المغنيات الراقصات، وإن الحسن كان يخدر هؤلاء الشبان بالحشيش، ثم يحملهم إلى الجنة جماعات جماعات تتراوح بين الأربعة والعشرة، فإذا أفاقوا من تحشيشهم اعتقدوا أنهم في الجنة التي وعد الله المتقين، ثم يحملون إلى قصره بعد أن يخدروا ثانية، فإذا أفاقوا آمنوا بقدرته وتفانوا في طاعته، ويقصون ما رأوه على الآخرين، فيتوقون بدورهم إلى دخول الجنة.» ويقول بروكلمان (في تاريخ الشعوب الإسلامية 2-138): «إن ما أورده ماركو بولو هو مجرد خرافة.» ولكن ابن خلكان يورد لنا شيئا شبيها بذلك عن حصن مصياف،
9
وقد نشر الحسن بن الصباح هؤلاء الفدائيين في كافة أرجاء العالم، فخافه الأمراء والكبراء ودفعوا له الضرائب دفعا لشره، وخصوصا بعد موت ملكشاه، وانقسام الأسرة السلجوقية من بعده، وظهور الصليبيين في الشام، وقد قدر عدد الفدائيين في زمن ملكشاه بنحو مائة وستين ألف رجل
10
فإذا كان هذا عددهم في زمن ملكشاه السلطان القوي الذي فتك بهم مرات، وحاول مرات أن يحتل قلعتهم «الموت» فلم يفلح، وكان وزيره نظام الملك أعدى أعدائهم لا يترك فرصة للفتك بهم، وقد ملأ رسالته «سياستنامة» كثيرا من التهجم عليه والتحريض على قتلهم، أقول إذا كان هذا عددهم في ذلك الزمان فما قولك بالأزمنة التالية، حين اقتتل السلاجقة فيما بينهم، حتى استعان بعضهم، وهو بركياروق، على خصومه بالإسماعيلية.
11
Bog aan la aqoon