Taariikhda Qaranka Carabta: Waqtiga Hoos-u-dhaca (Qeybta Toddobaad)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Noocyada
وفي هذه الفترة جاء العراق موفدا من قبل هولاكو العالم نصير الدين الطوسي للتفتيش على أحوالها، والبحث عن أمور أوقافها وأحوال أجنادها ومماليكها، وقد جمع في أثناء رحلته هذه كثيرا من الكتب العلمية وأخذها من العراق، وكان أكثر هذه الكتب متعلقا بعلوم الفلك والرياضيات لعزمه على إقامة رصد في مدينة «مراغة» تنفيذا لأمر هولاكو، وقد أقام في العراق مدة وهو يفتش مصالحها، ثم رحل إلى «مراغة» حيث يقيم هولاكو، ولما عاد نصير الدين من رحلته هذه قدم تقريرا مفصلا عن أحوال البلاد العراقية، وبين لهولاكو سوء الحالة وفساد السياسة الخرقاء التي تسير عليها الولاة، فوعده بعد تلاوته بإصلاح الحالة، ولكنه فوجئ بالمرض وهلك في ربيع الآخر سنة 663ه، ولم يقم بأي إصلاح، واستمرت الفوضى حين ولي ابنه إباقا خان، فعهد بالعراق إلى الصاحب علاء الدين عطاء ملك الجوني، وأوصاه بحسن السيرة، والعمل على تعمير البلاد، وإحياء المدارس والربط، وإصلاح شئون الحج، ففعل الجوني ذلك كله، واطمأن الناس على أنفسهم وأموالهم بعض الاطمئنان، وفي سنة 667ه/1268م زار إباقا خان بغداد لمراقبة الحالة عن كثب، ثم خرج منها وقد رتب الأمور، ثم عاد إليها ثانية في سنة 672ه/1273م ومعه جمهرة من القواد والعلماء، وعلى رأسهم النصير الطوسي، ففتش المصالح الديوانية، وأمر بالإصلاح والإحسان وتخفيف الضرائب عن كاهل الناس، وكتب ذلك على حيطان المدرسة المستنصرية الكبرى، وطلب إلى النصير الطوسي أن يتصفح أحوال الأوقاف وشئون طلاب العلوم والمتصوفة، ثم زارها للمرة الثالثة في سنة 680ه/1281م ليكون قريبا من الشام، حيث بعث بأخيه الأمير «منكوتمر» مع جيش عظيم لفتح الشام ومصر، وقد بلغه أن صاحب دمشق الأمير «سنقر الأشقر» قد فتك بجيشه فتكا ذريعا، فطلب إلى الباقية أن تعود من الشام إلى العراق، ولما وصلوا العراق ودخلوا بغداد لقيت الأهالي منهم بلاء عظيما إلى أن رحلوا عن بغداد في أواخر هذه السنة قاصدين إيران، ولما وصلوا إلى «همدان» مرض هناك إباقا خان وأحس بدنو أجله، فعهد بالأمر بعده لابنه أرغون، ولكن الأمراء اجتمعوا على تسليم الأمر إلى الأمير تكودار بن هولاكو، وقد كان أول من أسلم من أولاد هولاكو وتسمى باسم أحمد، فقام بالأمر أحسن قيام، ونظم حالة العراق وكتب إلى السلطان الملك المنصور الألفي صاحب الشام ومصر رسالة يقول له فيها: «إن الله سبحانه حبانا بالأبلخانية، وأمرنا بالعدل وحقن الدماء، فإن أردت الموادعة فنحن نكف عسكرنا عن قصد بلادك، ونفسح للتجار في السفر كيف شاءوا، فإن فعلت ذلك، وإلا فعين للقتال موضعا، واعلم أن الله سبحانه يطالبك بما يسفك بيننا من الدماء.»
5
وقد لقيت هذه الرسالة أذنا صاغية من الملك المنصور، فكتب إليه أن يوادعه، وهكذا استتب الأمن في الشام وعادت التجارة إلى سابق عهدها فترة غير قصيرة، وعاد الأمن والسلام إلى العراق في هذه الفترة التي كان يتولى أموره فيها حاكم عالم عاقل هو الصاحب علاء الدين عطاء ملك الجوني،
6
ثم من بعده ابن أخيه الصاحب شرف الدين هارون بن الصاحب شمس الدين الجوني، فقد كان كل منهما على جانب من العلم عظيم، كما كان بارعا بالإدارة وحسن التصرف، ولولا الفتنة التي وقعت بين السلطان أحمد وبين أرغون خان لاستراح الناس قليلا، ولكن هذه الفتنة أزعجت الناس إلى أن قضي على السلطان أحمد، وتم الأمر لأرغون خان، فأول ما قام به هو أنه عهد في 10 جمادى الأولى سنة 683ه/1284م إلى أخيه أروق بإدارة شئون العراق، فسار إليه وقبض على الصاحب شرف الدين هارون وجماعته وقتلهم بعد أن عاملهم شر معاملة واستخلص أموالهم، ثم رحل عن العراق وأناب عنه فيه الأميرين عز الدين الإربلي ومجد الدين إسماعيل بن إلياس، وطلب إليهما أن يهتما بجمع الضرائب وإدارة الأمور وتصريفها، وقد قاسى أهل العراق وبغداد خاصة ويلات شدادا من كثرة غلاء القوت وانتشار الأمراض، ومن جراء تحكم سعد الدولة بن الصفي اليهودي الحكيم، الذي كان يتولى أمور الإشراف على ديوان العراق، وكان يهوديا خبيثا داهية استطاع ببراعته في علم الطب أن يتوصل إلى هذه الوظيفة السامية ويتحكم في رقاب الناس، وظل الأمر على هذا الحال إلى أن تولى أمور العراق «قطلغ شاه» في سنة 686ه/1287م، فأول عمل قام به هو أنه طلب من السلطان إبعاد هذا اليهودي الخبيث عن عمله، فأبعد عنه، ولكنه رحل إلى «الأردو» حيث يقيم السلطان وسعى للتقرب منه والخلوة به، فكان له ما أراد، ثم أرسله السلطان إلى بغداد، فلما وصلها أراد أن يتقرب من الناس، ويستعيد مكانته، فكتب إلى السلطان يقول له: إن «قطلغ شاه» قد فرض على الناس أموالا على سبيل الاقتراض، وثقل عليهم في استيفائها، وإن الناس قد ضاقوا ذرعا به، فأمره السلطان بإسقاط ما قرره على الناس من القروض، وحمد الناس لصفي الدين هذه المنقبة، ثم توصل على استعادة وظيفته وهي الإشراف على ديوان العراق، ثم زادت مكانته حتى سمي «صاحب ديوان الممالك العراقية»، وسمى أخاه فخر الدولة، ومهذب الدولة نصر بن الماشيري اليهودي ليقوما بأعمال الديوان، وأمر بالقبض على زين الدين الحظائري ضامن التمغات، وعلى مجد الدين إسماعيل بن إلياس ضامن أعمال «الحلة» ونائب الديوان ببغداد، بعد أن اتهمهما بالاختلاس، وصادر أموالهما، وشهرهما في السوق ثم قتلهما، وكان الزين الحظائري من محاسن الزمان، عالما فاضلا أديبا جوادا،
7
ولكن هذا المجرم اليهودي حنق عليه فقتله أشنع قتلة.
وقد ظل نجم سعد الدولة اليهودي في صعود حتى إنه بعث بأخيه أمين الدولة حاكما للموصل وما إليها، وكان شريرا فأساء إلى الناس، وضاقوا به وبأخيه ذرعا حتى إنهم اجتمعوا في المساجد يحملون على اليهود ويدعون عليهم، واجتمع نفر من أعيان الناس وكتبوا محضرا يتضمن طعنا في سعد الدولة وأهل بيته وأعوانه من اليهود، وضمنوا هذا المحضر طرفا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تنص على أن اليهود قوم أذلهم الله، وأن من يحاول إعزازهم أذله الله، ورفعوا ذلك إلى السلطان أرغون، فبعث السلطان بالمحضر إلى سعد الدولة، وحكمه في الذين وقعوا في أدناه، ولكنه خاف مغبة الفتك بهم فلم يؤاخذ واحدا منهم، سوى أنه صلب جمال الدين بن الحلاوي ضامن تمغات بغداد، واضطرب الناس لهذه الحادثة وسكنوا فترة حتى إذا أجمعوا أمرهم قاموا بثورة عنيفة أحرقوا فيها دور اليهود، ونهبوا أملاكهم، ولم تسلم من هذا العمل مدينة من مدن العراق، وفتك الناس بسعد الدولة وإخوته، وكثير من أعيان اليهود وأوباشهم؛ لأنهم أساءوا التصرف، وعاملوا الناس شر معاملة، وبخاصة سعد الدولة فإنه أضر بالمسلمين وبنفقات جوامعهم وأوقافهم، فتألم الكل منه، ومما قيل من التألم منه ومن توقع زواله:
يهود هذا الزمان قد بلغوا
مرتبة لا ينالها فلك
Bog aan la aqoon