Taariikhda Qaranka Carabta: Waqtiga Hoos-u-dhaca (Qeybta Toddobaad)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Noocyada
وفي عهده جرت وقعة الجلالية، وخلاصتها: أن عسكر اليمن خرجوا على طاعة «قانصوه» باشا، وذهبوا إلى القنفذة، فاستمالهم الشريف ناجي بن عبد المطلب وذهب بهم إلى مكة، فلما بلغوا حدودها بعثوا كتابا إلى الشريف محمد يطلبون الإذن لهم بدخول مكة فرفض الشريف محمد ذلك، وبينما كانوا يتأهبون للقتال أقبل عليهم الجنود العثمانيون، والتقى الجمعان، وقتل من الطرفين مقتلة عظيمة، وكان من القتلى الشريف محمد نفسه، فتولى الأمر من بعده في سنة 1041ه الشريف نامي، وما أن استتبت له الأمور حتى أرسل إلى دلاور آغا أمير جدة يطلب إليه أن يسلمه الثغر فأبى، وكانت معركة كبيرة بين الطرفين، نهبت فيها جدة، واضطرب حبل الأمان في الحجاز كله ، فقام الشريف زيد بن محسن بثورة عنيفة مستعينا بجماعة من الجنود المصريين الذين قدموا مع المحمل المصري، واضطر نامي أخيرا إلى الهرب من مكة، فلحق به الجنود وقتلوه وحرقوه وأذروه رمادا، واستقرت الأمور لزيد، وكان حاكما عادلا فاضلا، وفي عهده ورد أمر سلطاني من إستانبول بمنع الحجاج الإيرانيين من الحج والزيارة، ونادى المنادي في السابع عشر من ذي الحجة سنة 1047ه بوجوب خروج الحجاج الإيرانيين من بين جموع الحجاج المسلمين، وظل زيد في الولاية إلى أن مات في سنة 1077ه فاختلف أولاده على الولاية، وكادت أن تقع فتنة كبيرة بينهم، فتدخل في الأمر عماد الدين أفندي التركي شيخ الحرم، واستقرت الأمور على أن يتولى الشريف سعد بن زيد على أنه قائم مقام أخيه محمد يحيى، ثم وقعت فتن كثيرة بين الأشراف، واضطرب أمر البلاد، وبخاصة في سنة 1079ه، فقد عم الجزيرة ضنك شديد، وأصابتها سنة قاحلة اضطر الناس فيها إلى أكل لحوم الكلاب والقطط والرمم، ولما ورد الحاج الشامي قدم معه الوزير حسن باشا، وقد فوضت إليه الدولة أمر جدة ومشيخة الحرم والنظر في شئون مكة، وما أن وصل إلى المدينة حتى أغراه الناس بجماعة الشريف سعد فأراد الفتك بهم، فثار الشريف عليه، ثم سويت الأمور حتى وصل حسن باشا إلى مكة واتفق مع الشريف سعد، وسارت الأوضاع العامة سيرة حسنة، وفي سنة 1082ه رجع حسن باشا إلى الحجاز، ولما بلغ جدة أعلن أنه قادم لتنحية الشريف سعد وتولية الشريف أحمد بن محمد الحارث، فوقعت فتنة كبيرة بين جماعة الشريفين، واضطر الشريف سعد إلى مغادرة البلاد، واللجوء إلى الديار الرومية.
وفي سنة 1083ه اجتمع الأشراف ومن بينهم الشريف أحمد بن محمد الحارث، وجاء حسن باشا معلنا ولاية الشريف بركات بن محمد، ففرح الناس بذلك لما كان يتحلى به وهنئوه بالشرافة، واطمأن الوضع في أيامه، وكان موضع ثقة الباب العالي، قال صاحب خلاصة الأثر: وحظي عند السلطنة، وكان مقبول الكلمة عندهم لما كان لكثيره من مداراتهم، وكان كثير الإحسان للأشراف كثير التعطف بهم، وتقووا في زمنه وقويت شوكتهم وكثرت أموالهم، وبسبب ذلك بقي كبار الأشراف وصغارهم تحت طوعه، وحمدت طريقته، وأمنت في زمنه السبل، وربحت التجار، وانتظم الأمر خصوصا للحجاج.
وقد ظل على سيرته الحميدة هذه إلى أن توفي سنة 1094ه، فتولى بعده ابنه الشريف سعيد، وألبسه القاضي خلعة الاستمرار بموجب أمر السلطان الذي بيده، والذي يتضمن كونه ولي عهد أبيه ، ولم ينازعه أحد من الأشراف، ثم وصلته خلعة الاستمرار من صاحب مصر، ووردت بعدها من السلطان العثماني، ولم تمض فترة حتى جاءت إرادة سلطانية من إستانبول تقضي بجعل الولاية أرباعا؛ ربع للشريف سعيد، والأرباع الثلاثة الباقية لسائر الأشراف، فوقعت الاختلافات بينهم وفسدت أمور البلاد، وصار عبيد كل شريف وجماعته يجمعون الأموال، ولاقى الناس منهم بلاء عظيما، واستمرت هذه الحالة إلى أن حان وقت الحج، فاجتمع الشريف سعيد وحاكم مكة القائد أحمد بن جوهر وأمير الحاج الشامي وأمير الحاج المصري، وتداولوا هذا الأمر فلم يصلوا إلى قرار تستتب به الأوضاع، وزاد الفساد واضطرب حبل الأمن وانقطعت السبل، ولم يعد يأمن الناس على أنفسهم من السير بعد الغروب، وكثرت القتلى والتعديات، وازدادت أضرار عبيد الأشراف ومماليكهم وجماعاتهم، وفسد الأمر حتى اضطر الشريف سعيد أن يرسل إلى الباب العالي ترجمانه، ويذكر فساد الحالة في مكة، وأنها خربت، فمن الواجب إرسال جند نظاميين يضبطون أحوالها، فلما بلغ الترجمان إلى الباب العالي شاور السلطان أولي الأمر، وكان في الأستانة يومئذ الشريف أحمد بن زيد، فتم الاتفاق على إرساله إلى مكة، وذهب في مطلع عام 1095ه فاستأنس الناس به، وعادت المياه إلى مجاريها شيئا فشيئا؛ لما كان يتمتع به من الحزم والعقل، وظل في الولاية إلى أن مات في سنة 1099ه فاجتمع أركان البلاد واتفقوا على إقامة ابن أخيه الشريف سعيد بن سعد، فعارضه بذلك الشريف أحمد بن غالب، ووقعت فتنة بين الاثنين انتهت بانكسار الشريف أحمد وجماعته، واضطر إلى أن يفر إلى اليمن، أما الشريف محسن فإنه دخل مكة في فجر عام 1101ه وأخذت تأتيه رسائل من الشريف أحمد كلها تهديد وإنذار، كما أتت رسائل إلى أعيان الحجاز ومنها تهديد وإنذار بغارة قوية أثناء الموسم، وذاع خبر هذه الرسائل بين الناس فاضطربوا لها، وترقبوا زحف الشريف أحمد بن غالب مع جماعات من اليمن،
11
ولم ير الشريف محسن بدا من الاستنجاد بصاحب مصر، ولكن لما مضى موسم الحج ولم يجئ أحد تبين للشريف محسن أن الرسائل مكذوبة من بعض الأشراف في الحجاز فهدأت الحالة.
وفي سنة 1102ه تفرقت كلمة الأشراف في الحجاز، وخرجوا إلى الطرقات العامة، وأكثروا النهب والسلب وبخاصة في جهات جدة، واشتدت الحالة على الناس حتى أجمع أمرهم أخيرا على الكتابة إلى السلطان يشكون إليه سوء الحالة وما يقع من الأشراف، وأن العساكر السلطانية لا تطيع أوامر الشريف لتهدئة الحالة، فلم يكترث الباب العالي للأمر، واضطر الشريف محسن أن يتنازل للشريف سعيد بن سعد في سنة 1103ه، فتولى الشرافة للمرة الثانية فسار سيرة عنيفة لا يهاب سلطانا ولا يخضع لقانون، ولم يلبث قليلا حتى جاءه الفرمان من الباب العالي بإقراره في الشرافة، وقد وقعت في البلاد فتن كثيرة من جراء قسوته وسوء معاملته للناس والأشراف، ولما ضج العامة من سوء تصرفه رأى العقلاء أن يكتبوا للباب العالي باستبداله، فوردت عليهم البشائر بتفويض أمر الديار الحجازية لأبيه الشريف سعد بن زيد وأن يكون ابنه الشريف سعيد نائبا عنه، فهدأت الأحوال هدوءا نسبيا.
وفي سنة 1105ه كثر الأشقياء والمفسدون في البلاد فانقطعت الطرق وتفاقم الأمر حتى اضطر الشريف سعد أن يعس في الليل بنفسه مع العساكر إلى أن انقطعت أسباب الفتن، ولم تهدأ الحالة إلا حين جاءت الأخبار بأن الشريف أحمد بن غالب قد هجم على مدينة القنقذة واستولى عليها، وأنه في طريقه إلى مكة، فاستنجد الشريف سعد بالباب العالي فبعث إليه بجيش عليه إسماعيل باشا ومعه محمد باشا صاحب جدة، ولما علم الشريف أحمد بقدومهما كتب إلى الشريف سعد يعلمه بخضوعه للدولة وأنه قادم للحج، وهدأت الأحوال من جديد إلى أن وقعت واقعة بين الشريف سعد وبين محمد باشا صاحب جدة، فكتب هذا إلى الباب العالي يطلب عزل الشريف وتولية الشرافة لعبد الله بن هاشم، ووافق الباب العالي على ذلك، ووقعت حروب وفتن طويلة بين الجانبين انتهت بانهزام الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله، وكان هذا على جانب من الحزم والسياسة، وقد أراد أن يسير بالبلاد سيرة رشيدة، ويقضي على الفتن والثورات كما يقضي على سلطة الأشراف، ولكنه لم يلبث أن هلك في سنة 1113ه بعد أن قضى أربعة أشهر في الحكم، فلما مات طلب الأهلون من الباشا أن يكفيهم شر الشريف أحمد بن غالب الذي أعلن العصيان والفتنة، وبعث يتهدد وجهاء الأهلين، فقال لهم الباشا: دعوا الأشراف يجمعون على واحد منهم يتولى شرافة البلاد، فقالوا له: كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يتفقوا على واحد وكل فرد منهم يطمع في هذا المنصب، والرأي الصواب هو أن يعود الشريف سعد، وهكذا كان، فقد دخل الشريف سعد إلى مكة وتولاها للمرة الثالثة، واستقرت الأمور فترة، ثم عاد الأشراف إلى فتنتهم السابقة، مطالبين برواتبهم وجامكياتهم ومعاليمهم مدعين بأن الشريف سعدا قد حرمهم من ذلك، وساروا نحو الطائف يعيثون فيها فسادا، فضاق بهم الشريف سعد ذرعا، ثم استدعى رؤساءهم وأعطاهم ما يريدون، فهدأت الحالة بعد أن لقي الناس منها عناء كبيرا.
وفي أواخر عام 1113ه رأى الشريف سعد أن يتخلى عن منصبه لابنه سعيد، وكتب بذلك إلى الباب العالي في الأستانة، فجاءته الموافقة، واستقرت الحالة بعض الشيء إلى أن كانت سنة 1115ه فانتفض الأشراف على الشريف سعيد، وتدخل أبوه بينه وبينهم فلم يقبلوا، وبعثوا بعبيدهم ومماليكهم يفسدون في الأرض، وينهبون الأموال ويقطعون السبل، فعاد الشريف سعد للسعي بين ابنه وبينهم وتم له ذلك، وتعهد بأن يدفع لهم من ماله بعض استحقاقاتهم فقبلوا ذلك على شريطة أن يتغاضى عما وقع منهم من أعمال السلب والنهب، فلم يرض الشريف سعد إلا بمحاسبتهم على أعمالهم التي اقترفوها وإقامة الحد الشرعي ورد ما سلبوه، فلما علموا بذلك خرجوا من مكة إلى أن حان الموسم، وأرادوا أن يعبثوا بالحجاج فتصدى لهم سليمان باشا أمير جدة، ونهاهم عن الفساد، ووعدهم بأعطياتهم على شريطة أن يحفظوا الطرق ويؤمنوا قوافل الحجيج، وأبلغ الشريف في مكة ما تعهد لهم به، فوافق الشريف على ذلك، ولكنهم لم يلتزموا ما تعهدوا به.
وقضى الحجاج مناسكهم وهم في غاية الخوف، ولم يستطع أهل مكة أن يحجوا ذلك العام؛ لأنهم خافوا من الأشراف ومماليكهم الذين شيعوا أنهم سيدخلون مكة ويفتكون بأهلها، ثم إن الشريف بعث إليهم يستدعيهم، فأرسلوا إليه وفدا، وتناقشوا واتفقوا على إنهاء هذه الفتنة التي طال أمدها في محرم سنة 1116ه، ولكن لم يمض وقت طويل حتى عاد الأشراف وعبيدهم ومماليكهم إلى ما كانوا عليه من الفساد، وكيف يستقيم قوم جعلوا الشر ديدنهم والفساد طويتهم، وهم يدعون أنهم أبناء الرسول
صلى الله عليه وسلم
Bog aan la aqoon