Taariikhda Qaranka Carabta: Waqtiga Hoos-u-dhaca (Qeybta Toddobaad)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Noocyada
وقال الرحالة ابن بطوطة في رحلته: «أخبرنا شيخنا قاضي القضاة أبو البركات بن الحاج أعزه الله قال: سمعت الخطيب أبا عبد الله بن رشيد يقول : لقيت بمكة نور الدين بن الزجاج من علماء العراق ومعه ابن أخ له، فتفاوضنا الحديث، فقال لي: هلك في فتنة التتار بالعراق أربعة وعشرون ألف رجل من أهل العلم، ولم يبق منهم غيري وغير ذلك، وأشار إلى ابن أخيه.»
3
ولما أتم الطاغية تيمورلنك فعلته النكراء هذه ترك بغداد بعد أن ولى عليها أبا بكر بن ميران شاه، ثم توجه إلى بلاد الروم، ووقعت بينه وبين السلطان بايزيد حروب طال أمرها، أما السلطان أحمد فإنه حاول الرجوع إلى بغداد فرجع إليها، ووقعت بينه وبين أبي بكر واليها حرب شديدة، ثم وقعت بينه وبين ابنه الأمير طاهر حرب، وانتهت كل هذه الفتن بسيطرة السلطان أحمد من جديد على بغداد في مطلع عام 806ه بعد موت تيمورلنك، ولما هلك تيمورلنك استراحت الدنيا من شروره وتدميره ومزعجاته، وعادت السكينة بعض الشيء إلى الديار العراقية، ولكن السلطان أحمد عاد إلى سيرته الأولى، فأخذ يزعج الناس ويصادر أغنياءهم، ثم طمع في استرداد تبريز فجهز جيشا كبيرا استرد به مدينة تبريز عام 809ه/1406م، ولما دخلها فرح الناس بدخوله وظنوا أنه مقلع عن غيه وظلمه لما ناله من التشريد والبؤس وصروف الدهر، ولكنه خيب آمالهم ورجع إلى ضلاله القديم، فلما ضاق الناس ذرعا به ثاروا عليه وسعوا لدى الميرزا أبي بكر أن يعلن ثورته عليه وأطمعوه في التغلب على السلطان، فقدم إلى تبريز وأخرج السلطان منها واستولى عليها، فرجع السلطان إلى بغداد واتخذها مقرا له، ثم وقعت بينه وبين الأمير قرا يوسف صاحب التركماني مشاحنات وحروب انتهت بوقوع السلطان أسيرا بيد قرا يوسف، فطلب إليه أن يتنازل له عن السلطنة وأن يفوض إيالة أذربيجان إلى ابنه الأمير بير بوداق، وإيالة بغداد إلى الشاه محمد، فقبل ووقع له المراسيم المتعلقة بذلك، ولكن هذا لم يمنعه من الاغتيال، وكان ذلك في سنة 813ه، وبموته قضي على ملك من أكبر ملوك العراق في هذه الحقبة، فقد عاش قرابة ثلاثين سنة وهو ملك على العراق يحاول بسط نفوذه على إيران والعراقين وأذربيجان، وكان لا يعرف الكلال ولا الملل، وهو بحق آخر الملوك الجلايرية العظام، وسنرى فيما بعد أن من خلفه لم يكونوا شيئا مذكورا، ولم تمض على وفاته إلا فترة حتى انقرضت هذه الدولة تماما كما سنرى تفصيل ذلك فيما بعد.
الفصل الرابع
العراق في القرن الثامن
الدولة البارانية - والدولة البايندرية
رأينا في الفصل السابق أن تيمورلنك قد اجتاح العراق في العشر الأخير من القرن الماضي، وأن حكمه قد استمر طوال حياته، وأن السلطان أحمد الجلايري صاحب العراق وآخر ملوك الدولة الجلايرية قد لقي منه ويلات شدادا، وأنه حاول القضاء عليه فلم يتمكن منه، ولما مات تيمورلنك واضمحل أمر مملكته وعاد السلطان أحمد إلى العراق كما بيناه في الفصل الماضي، وتلقاه أهل العراق بالفرح الشديد والابتهاج مؤملين للبلاد على يديه كل خير، راجين أن يكون قد أقلع عن غيه القديم وعسفه، فقدموا له الأموال، وتفانوا في خدمته، ولكنه ظل سادرا في لهوه ولعبه، مسترسلا في غيه وضلاله حتى قتل في سنة 813ه، كما ذكرناه قبلا.
فلما قتل بعد أن تنازل عن الملك للأمير محمد شاه بن قرا يوسف الباراني رحل محمد شاه هذا إلى العراق للاستيلاء عليه في سنة 814ه، ولما وصل بغداد قاومه واليها من قبل السلطان أحمد كما قاومته زوجة السلطان أحمد، وكانت امرأة ذات دهاء وخبث فأذاعت في المدينة أن السلطان أحمد ما يزال حيا، وأنه عما قريب عائد إلى مقر ملكه، ثم عمدت إلى الوالي فقتلته، وأخذت تعمل على الانفراد بالأمر والاستيلاء على الحكم، ولكنها خذلت، واضطرت أن تنهزم، أما الشاه محمد فدخل هذا إلى بغداد في أوائل سنة 814ه/1411م واستقرت الأمور له فيها.
وبانقضاء عهد السلطان أحمد وزوجته انقضى عهد الدولة الجلايرية الحقيقي، على أنه قد بقي هناك بعض الأمراء الجلايريين ظلوا يتحكمون في بعض المناطق العراقية والإيرانية مثل السلطان محمود بن شاه ولد، فقد حكم مدينة تستر وما إليها مدة سنتين، ومثل أخيه أويس الثاني الذي حكم تستر وخوزستان نحوا من خمس سنوات، ومثل أخيه السلطان محمد الذي حكم خوزستان ثلاث سنوات، ومثل ابن عمهم السلطان حسين الذي تولى الأهواز إلى سنة 835ه، وفي هذه السنة انتهى الحكم الجلايري تماما، وتمكن الأمراء البارانية من توطيد أركان الدولة الجديدة البارانية المعروفة باسم دولة «قرا قويونلو». (1) الدولة البارانية
تنتسب هذه الدولة - المعروفة أيضا «بالدولة القرا قويونلية» ومعنى «قرا قويونلو»: الأغنام السود؛ لأنها كانت شعارهم - إلى باران أحد رؤساء التركمان الذين هاجروا من بلاد تركستان إلى خراسان، ثم تفرقوا في جميع الأراضي الفارسية والعراقية، وقد كانوا قوما أشداء استعان بهم السلطان أويس الجلايري على قهر خصومه، وتوطيد أركان مملكته، وقرب رئيسهم بيرام خجا بن تورمش، وعهد إليه ببعض أموره الحربية، وأخذ أمره يقوى يوما فيوما حتى مات السلطان أويس فطمع بيرام خجا في السيطرة، ثم تم له ما أراد واستولى على ديار الموصل وسنجار في سنة 776ه/1374م، وأخذ أمره يقوى منذ ذلك الحين إلى أن مات في سنة 782ه، فتولى الأمر من بعده أخوه مراد خجا فلم يبق إلا مدة حتى هلك، فتولى الأمر من بعده قرا محمد بن تورمش بن مراد خجا، وكان شابا ذا قوة ودهاء، وسع ملك أسلافه وامتد سلطانه إلى ماردين، وعظم نفوذه في كافة هاتيك الأصقاع حتى إن السلطان أحمد الجلايري تزوج ابنته، ولما هلك في سنة 791ه/1390م تولى الأمر من بعده الأمير قرا يوسف الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لهذه الدولة، وكان من الرجال الأذكياء الأقوياء، وقد استطاع بذكائه وقوة إرادته التسلط على المملكة العراقية بكاملها وطرد الجلايريين منها، واستخلاصها لنفسه، ولما استقل قرا يوسف بالأمر بعث ابنه شاه محمد إلى بغداد فقضى على بقايا الجلايريين، أما هو فإنه اتخذ تبريز عاصمة له، وعادت بغداد من جديد تابعة لتبريز، ثم شرع في توطيد أركان مملكته وتوسيعها في البلاد الإيرانية والتركية، ففي سنة 818ه بعث ابنه شاه محمد صاحب بغداد إلى بلاد «سيس» ففتحها وضمها إلى مملكته، وظل يعمل على توسيع رقعة مملكته إلى أن هلك في سنة 823ه/1420م، وقد امتد سلطانه إلى الشرق والغرب، ولقيت البلاد العراقية منه ومن ابنه شدة وويلات حتى قال صاحب «المنهل الصافي»: «ومات في ذي الحجة ... وأراح الله الناس منه، نسأل الله أن يلحق به من بقي من ذريته؛ فإنه هو وأولاده الزنادقة الكفرة كانوا سببا لخراب بغداد وغيرها من العراق، وهم شر عصبة، لا زالت الفتن في أيامهم ثائرة والحروب قائمة إلى يومنا هذا، وطالت مدتهم بتلك البلاد التي كانت كرسي الإسلام ومنبع العلم ومدفن الأئمة الأعلام»،
Bog aan la aqoon