Taariikhda Tarjamada iyo Dhaqdhaqaaqa Dhaqanka ee Xilliga Maxamed Cali
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Noocyada
وهنا اعترضته مشكلة خطيرة: أين الكتب التي تترجم؟ وأي هذه الكتب أحق بالترجمة؟ وأين في مصر العارفون باللغات الأوروبية والشرقية ليقوموا بترجمة هذه الكتب؟ وأخيرا، أين أداة طبع هذه الكتب ونشرها؟
لقد كانت مصر حينذاك خلوا من هذه الأدوات؛ إذ لم يكن بها كتاب واحد أوروبي مذ أخذت الحملة الفرنسية معها كتبها وهي تجلو عن مصر، ولم تكن في مصر مدرسة واحدة تعنى بتدريس أية لغة أوروبية، ولم يكن بين المصريين من له معرفة بلغة من هذه اللغات الأجنبية، وكانت المطبعة أخيرا - أداة الطبع والنشر - قد رحلت مع الفرنسيين عند خروجهم.
غير أن هذا العطل من العلم الأوروبي الحديث وأدواته، ومقوماته، لم يدفع اليأس إلى نفس محمد علي، بل على العكس دفعه إلى التفكير والتقدير، والإقدام والتنفيذ، ولكن من يبغي الثمرة لا بد أن يمهد الأرض ويفلحها ويرويها، ولا بد أن يبذر الحب، ويرعاه، وينميه، وهكذا فعل محمد علي؛ فقد مكث نحو العشر سنوات يمهد الأرض التمهيد الأول، ثم لبث نحو عشر سنوات أخرى يبذر الحب، ويرعاه، وينميه.
ففي الفترة التالية لسنة 1226 / 1811 أرسل بعوثه الأولى إلى إيطاليا (1228-1231 / 1813-1816) لدراسة فنون وعلوم مختلفة أهمها الطباعة، وقبيل عودة عثمان نور الدين من «أوروبا» (عاد في سنة 1232 / 1817)، أوصاه محمد علي أن يشتري مجموعة كبيرة من الكتب الأوروبية كما سبق أن ذكرنا.
وفي 14 ذي الحجة سنة 1235 / 22 سبتمبر 1819 صدر أمر محمد علي باشا إلى كتخدا بك «بتعيين أحد القسيسين لإعطاء دروس في اللغة الطليانية والهندسة لبعض التلامذة الذين كانوا بالقلعة، وأن يخصص له محل للتدريس في القلعة، وكان هذا أول أمر صدر بتعلم لغة أجنبية بمدارس مصر.»
2
وفي سنة 1237 / 1821 أسست مطبعة بولاق، وفي سنة 1238 / 1822 كان أول كتاب طبع في هذه المطبعة «قاموس طلياني وعربي» من وضع الأب رفاييل زاخور راهبة.
بهذه التمهيدات خطا محمد علي الخطوات البطيئة التي استغرقت عشر سنوات (من 1811-1821) نحو تمهيد الأرض التمهيد الأول؛ فأرسل إلى إيطاليا من تخصص في فن الطباعة وهو نيقولا مسابكي، وأحضر بعض الكتب، وأنشأ المطبعة، وساعد على وضع القاموس الأول ليعين الترجمة عن اللغة الإيطالية، وهي أكثر اللغات الأوروبية انتشارا وذيوعا واستعمالا في مصر وقتذاك، وبقي التمهيد الثاني، وهو إيجاد المترجمين، ولم يكن في المصريين من يصلح للقيام بهذا العمل غير عثمان نور الدين أحد أعضاء بعثته الأولى، فعين في سنة 1237 / 1821 أمينا للمكتبة الموجودة في قصر إسماعيل باشا ببولاق، «وألحق به بعض المترجمين (كذا) ليترجموا «كتب الفنون الحربية وسائر الصنائع»، وبعض التلاميذ ليدرسوا الهندسة واللغات العربية والتركية والإيطالية».
3
غير أن عثمان نور الدين ما كان يستطيع أن يقوم بالعبء وحده، كذلك لم تكن المدارس الجديدة قد أنشئت لتخرج من يستطيع الترجمة، ومع هذا كان الجيش الجديد قد بدئ في تكوينه منذ سنة 1230 / 1815، وكانت الإدارات والمصانع والمنشآت الجديدة في سبيلها إلى التكوين، ومحمد علي يرى أن هناك كتبا أوروبية تنير له سبيل الإنشاء والتكوين، وأنه لا بد من ترجمتها، فلا مانع لديه إذن أن يستعين بمن يستطيع الترجمة من السوريين المقيمين في مصر، وستقوم هذه الطائفة بواجبها خير قيام حتى تنشأ المدارس وتخرج الدفعات الأولى، وحتى ترسل البعثات، ويعود أعضاؤها ، فيكون من خريجي المدارس، وأعضاء البعثات الرعيل الثاني من المترجمين.
Bog aan la aqoon