224

Taariikhda Tarjamada iyo Dhaqdhaqaaqa Dhaqanka ee Xilliga Maxamed Cali

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي

Noocyada

فالترجمة إذن أفادت اللغة العربية فائدتين - مباشرة وغير مباشرة - أما الفائدة المباشرة فكانت بنقل الكتب الكثيرة في العلم والفنون المختلفة إليها، وأما الفائدة غير المباشرة فكانت بالعناية بالقواميس الأجنبية والعربية جميعا، وضاعف من هاتين الفائدتين وجود المطبعة، فإن طبع آلاف النسخ من هذه الكتب والقواميس ساعد على انتشارها وتداولها بين أكبر عدد ممكن من القراء، وبهذا بدأت اللغة العربية أولى خطواتها في سبيل النهضة الجديدة، فأخذ الأسلوب ينطلق شيئا فشيئا من قيوده البديعية القديمة، ويصطنع لنفسه طرقا جديدة يعنى فيها بالمعنى دون اللفظ، وبالجوهر دون العرض، ومنذ ذلك العصر خطا المصريون خطواتهم الموفقة في سبيل النهضة باللغة العربية خطوة بعد خطوة إلى أن وصلوا إلى الأوج في عصرنا هذا، ولولا ذلك البدء ما كانت هذه النهاية. (7) تأثير الترجمة في المجتمع المصري

ذكرنا في أول هذا الباب أغراض الترجمة في هذا العصر، وعرفنا أن هذه الأغراض كان تزويد المدارس والتلاميذ والمدرسين بالكتب في مختلف العلوم والفنون الجديدة التي يراد نقلها عن أوروبا؛ ولهذا ترجمت الكتب الكثيرة في الطب والهندسة، والكيمياء والطبيعة، والرياضيات، والجغرافيا والتاريخ والعلوم والفنون الحربية، وقد كان تقليد العصر أن يطبع من كل كتاب ألف نسخة، كان العدد الأكبر منها يوزع على تلاميذ المدارس، فالترجمة في معظمها كانت تتجه اتجاها علميا، وكانت دائرتها محدودة لا تتعدى جدران المدارس، حقيقة كانت هناك دائرة علمية أخرى هي دائرة الأزهر بعلمائه وطلابه، ولكن استفادة هؤلاء بالكتب الجديدة كانت محدودة، فلم يقبل منهم على قراءتها إلا نفر قليلون، وخاصة طائفة المصححين والمحررين الذين شاركوا مشاركة فعلية في نقل هذه الكتب، وعدد آخر قليلون من أمثال الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر، يقول عنه تلميذه رفاعة إنه «كان يطلع دائما على الكتب المعربة من تواريخ وغيرها، وكان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية ...»

18

أما الغالبية العظمى من شيوخ الأزهر وطلابه فقد وقفوا من هذه الحركة موقفا سلبيا، بل لا نغالي إن قلنا إنهم وقفوا منها موقفا عدائيا في بعض الأحيان؛ فكانوا يسخرون من المعربين الذين تعلموا في أوروبا ويقولون إنهم تعلموا تعليما سطحيا، «وهم كالطائر الذي يحجل ويتهادى في مشيته، دون أن يحسن الطير»

19

ولم يكن الدافع لهم على أن يقفوا هذا الموقف الدين الإسلامي، أو شيئا من تعاليمه كما فهم بعض الكتاب الأوروبيين، بل كان الدافع الحقيقي - فيما نرى - نوعا من الضيق في التفكير أنتجه جهل القرون السالفة، وعشق غريب للمحافظة على القديم، واعتداد أغرب بما درسوا من كتب، وما كان أقلها، وما كان أتفهها؟

والآن لنستمع إلى ما وصف به مستشرق فرنسي عاش في مصر في عصر محمد علي موقف هذه الغالبية من شيوخ الأزهر من الكتب المترجمة في المدارس الجديدة، هذا المستشرق هو الدكتور «برون»، كتب إلى صديقه «جول مول» سكرتير الجمعية الآسيوية خطابا عن مدارس محمد علي ومطبعته، قال فيه: «وهل تعتقد يا صديقي أنهم (أي شيوخ الأزهر) يقرءون كتبنا (أي الكتب المترجمة)؟ لا - فإنهم يتحاشونها، ولكن من السهل أن يتهم الإنسان قبل أن يستمع، وكتبنا هذه مثلها كمثل التوراة والإنجيل؛ فالشيوخ يتحدثون دائما عنها، وليس بينهم من قرأ منها سطرا واحدا.»

ثم روى «برون» أنه كان مرة في ضيافة الشيخ الجوهري، وفي صحبته صديقه وأستاذه الشيخ محمد عمر التونسي، وكانت المائدة تضم عددا آخرين من شيوخ الأزهر، وفي هذا الاجتماع دارت بين «برون» والشيوخ مناقشة طريفة حول رأيهم في الكتب المترجمة ننقلها كما رواها «برون» نفسه، قال: «وبعد تناول العشاء، وبين القهوة والشبك، تحدثنا عن الدراسة والمدارس، فقال شيخي التونسي بعض كلمات عن الكتب التي يراجعها في مدرسة الطب، فسألني شيخ من الحاضرين عن ماهية الكيمياء الحالية في أوروبا؛ لأنهم هنا لا يفهمون من لفظة «كيمياء» إلا فن تحويل المعادن إلى ذهب، وقد حدثتهم عن الكيمياء حديثا مختصرا، فانبرى واحد من الشيوخ وقال: وما فائدة هذه العلوم الدنيوية، لتخش الله، هذا كل ما يجب على الإنسان، وكأن هذا الشيخ كان يريد بهذه الكلمات أن يزيد في قيمة ورعه، ويبرز شخصيته التقية الدينية، فاتخذت لهجة الجد، وقلت له وماذا تعني بهذه الكلمات البعيدة عن الدين؟ ولم تهين هؤلاء العلماء الحاضرين بيننا، وكل العلماء الذين يعتز بهم الإسلام منذ ظهر في العالم؟ إنك ترى أن دراسة العلوم غير الدينية جهد لا طائل تحته.

وإذن فدراسة الشعراء العرب القدامى وأخبار الجاهلية أمر لا فائدة فيه، بل هي دراسة خطرة، إني أقدم لك ثنائي الخالص لأنك تجيد مدح الجهل، وأنت أيضا - فوق ما تظن - تلميذ من تلاميذ الجاهلية، قل لي، أتعرف ما هو الله؟ أليس الله سبحانه هو المعرفة كل المعرفة؟ وهل تتكرم فتقول لي أيضا، أيهما أقرب للذات الإلهية: الجاهل أم العالم؟» فأجاب الشيخ: «ولكن دراسة العلوم الإنسانية تقود إلى الإثم»، فقال «برون»: «إن دراسة العلوم الإنسانية تؤدي بالإنسان المفكر إلى الإعجاب بأفعال الخالق، وإلى إكبار عجائب العالم والعقل الإنساني، ترى هل أضاع علماء الإسلام وقتهم، وارتكبوا إثما عندما توفروا على دراسة الشعراء الجاهليين لكي يصلوا إلى تفسير القرآن؟ إنهم إن ظلوا مثلك، وحكموا حكمك، فمن منكم كان يستطيع فهم القرآن اليوم؟ وذلك العالم الذي كان يحمل اسما شبيها لاسم ضيفنا المبجل، والذي قضى - على الأقل - عشر سنوات من حياته متنقلا بين القبائل العربية في الصحراء لجمع مفردات اللغة العربية، وفي إنشاء قاموسه «الصحاح»، هذا الجوهري، هل كان مجنونا، أو كان غير مسلم، أو غير مؤمن؟» ثم ختم «برون» حديثه بجملة خطابية، فقال: «سادتي، إني أنصحكم أن تقلدوا هذا الشيخ في خوفكم وخشيتكم من الله، وعند ذلك يمكنكم أن تتأكدوا أن انحلال الإسلام سيخطو خطوات سريعة، إن مدح الجهالة هو أخطر علامة على التأخر الاجتماعي.»

20

Bog aan la aqoon