Taariikhda Tarjamada iyo Dhaqdhaqaaqa Dhaqanka ee Xilliga Maxamed Cali

Jamaal Diin Shayyaal d. 1387 AH
139

Taariikhda Tarjamada iyo Dhaqdhaqaaqa Dhaqanka ee Xilliga Maxamed Cali

تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي

Noocyada

ناظر المدرسة بأن يعيد طبع كتاب «الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار»، وهو كتاب جغرافي صغير سبق أن طبع في مالطة، غير أن رفاعة وجد أن عبارة الكتاب «مالطية وحشية»، فأعاد تصحيحها وتحريرها حتى خرجت الطبعة الثانية «بالنسبة للعبارة أظرف من طبعة مالطة وأجمل»، ومع هذا فإن رفاعة لم يقنع بأن يعتمد على مجهود غيره، وقد كان في عزمه منذ عاد من البعثة أن ينقل كتب الجغرافية التي قرأها إلى العربية؛ فبدأ بترجمة كتاب خاص، أسماه «التعريبات الشافية لمريد الجغرافية»، وهو كما يتضح من مقدمته، أصول دروسه في هذا العلم تخيرها من كتب فرنسية مختلفة - لا من كتاب واحد - وألقاها على تلاميذ مدرسة خاصة أنشئت فيما يبدو ملحقة بمدرسة طرة لتدريس علم الجغرافية ولتخريج مدرسين مختصين في هذا العلم يتولون تدريسه في المدارس الحربية الأخرى.

لم تشر المراجع التي كتبت عن تاريخ التعليم في عصر محمد علي إلى هذه المدرسة ولكن بعض وثائق العصر أشارت إلى وجودها وأيد هذا الوجود رفاعة نفسه في مقدمته للكتاب السابق الذكر؛ فقد صدر أمر من محمد علي باشا إلى ناظر الجهادية في 14 جمادى الآخرة سنة 1251 (قبيل إنشاء مدرسة الألسن) بتعيين «عبده» مدرسا للجغرافية بمكتب البيادة بدمياط، وهو ضمن الأربعة المتممين السابق إرسالهم لطرة للقيام بتدريس (يقصد تعلم) الجغرافية بمدرستها، وهم من الذين رباهم الشيخ رفاعة، وإرسال 10 شبان للشيخ لتربيتهم.

152

وهذه كما يتضح من الأمر السابق لم تكن مدرسة بالمعنى الصحيح، ولكنها لم تعد أن تكون فصلا ملحقا بمدرسة المدفعية خصص لتعليم بعض الطلبة علم الجغرافية، ليتخرجوا مدرسين لهذا العلم في المدارس الحربية الأخرى، غير أن رفاعة يسمي هذا الفصل مدرسة، ويذكر أنها أنشئت بموافقة «مشورة الجهادية» لتعليم الجغرافيا والتاريخ، فلا بأس إذن من أن نحاول شرح الأسباب التي أدت إلى فتح هذا الفصل أو المدرسة، فإنها في نظري النواة التي نشأت عنها مدرسة الألسن بعد قليل.

لم يكن رفاعة على اتفاق مع «سكويرا بك» ناظر المدرسة، فقد عرف هذا الرجل باعتداده الزائد بنفسه، وبحدة طبعه، وبعدائه للفرنسيين، وبالتالي للمثقفين ثقافة فرنسية، فهو إسباني الأصل، وكان - قبل حضوره إلى مصر - ضابطا برتبة «كولونيل» في سلاح المدفعية في الجيش الإسباني، وإليه كما يقول الدكتور عزت عبد الكريم «يرجع الفضل في إنشاء المدفعية المصرية، ومدرسة المدفعية بطرة»، غير أنه للأسباب السابق ذكرها كان يرفض أن يستمع لأوامر مختار بك مدير المدارس، كما كان يكره سليمان باشا مفتش الحربية كرها شديدا، ويطعن في معارفه العسكرية، وخاصة في فن المدفعية، وقد أدت هذه السياسة، وهذا الخلق، إلى عزله في سنة 1836 / 1251، ففي تلك السنة صدرت أوامر محمد علي بتكوين لجنة لتنظيم التعليم في مصر، ورأت اللجنة أن يكتب كل عضو فيها اقتراحاته، ثم يجتمع الأعضاء فينظرون في هذه المقترحات مجتمعين، ولكن «سكويرا بك» رفض وحده هذا الرأي، قائلا إنه لا يخضع لرأي غيره، ولا يعمل إلا ما يراه هو، «فكان ذلك سبب عزله لاعتباره أجنبيا عن مصلحة الجناب العالي، وليس من العقل ائتمان الأجنبي المتجنب على المصالح، كما كان عزله سببا في طاعة بقية نظار المدارس، فانصرفوا ينفذون القرار، ويدونون مقترحاتهم».

153

لم يكن من المنتظر إذن أن تحسن العلاقات بين رفاعة وبين هذا الناظر المتعجرف، وكان رفاعة قد شغف منذ كان طالبا في باريس بدراسة وترجمة علمي التاريخ والجغرافيا، ورسم لنفسه أن يقوم بترجمة الكتب فيهما بعد عودته؛ فقد قال في رحلته «وإن شاء الله تعالى بأنفاس ولي النعم يصير التاريخ على اختلافه منقولا من الفرنساوية إلى لغتنا، وبالجملة فقد تكفلنا بترجمة علمي التاريخ والجغرافيا بمصر السعيدة، بمشيئته تعالى، وبهمة صاحب السعادة محب العلوم والفنون ...»

154

فلعله رفع - وهو يدرس الجغرافيا بمدرسة طرة - إلى محمد علي باشا، أو إلى مشورة الجهادية اقتراحه بأن ينشئ مدرسة لتدريس هذين العلمين وترجمتهما، ولعل المشورة وافقت على إنشاء هذا الفصل كتجربة، فإذا تبين نجاحه أكملته، وزادت في اختصاصه. يقول رفاعة في مقدمة «التعريبات الشافية» موضحا لهذه الفكرة، وداعيا لها، ومبينا للغرض من ترجمة هذا الكتاب، وطريقة ترجمته: «... لما سمحت مشورة الجهادية، ذات الآراء السنية الذكية، أن أفتح لفنون الجغرافيا والتاريخ مدرسة تكون على قراءة هذه العلوم مؤسسة، لتشتهر ثمراتها الزاهرة، في أيالات أفندينا الفاخرة العامرة، فإن ذلك مما تدعو الحاجة إليه ويتأكد العمل به والوقوف عليه، لا سيما لأرباب الدولة والسياسة المدنية، وأصحاب التدبير والإدارة الملكية، وأصول أهل المناصب وضباط الطوائف العسكرية، وكامل ذوي الصنايع والحرف والمهمات التجارية، فكل من تأمل فيها وعرف، رقي فيها إلى أعلى مراتب الفضل والشرف، على أن كثيرا منها ما تبنى عليه أحكام شرعية، وحكم وآداب عرفية وقوانين بين سائر ملوك البرية، فهو لمثل هذا الغرض، يعد عند أرباب الصناعة من المفترض، أخذت عدة تلامذة لهذا المعنى الممدوح، وتوجهت بالقلب والقالب لتعليمهم بصدر مشروح، وليس بيدي من كتب الجغرافيا شيء باللغة العربية يحتوي على التفصيل والترتيب على نسق ما في الكتب الإفرنجية؛ فلهذا اعتمدت كتابا موجزا في هذا الفن النفيس، موضوعا لمدارس مبادئ العلوم بمدينة باريس، وشرعت في ترجمته درسا بعد درس لهذا القصد حتى لا يضيع السعي ولا يخيب الجد، ولما رأيت أن مؤلفه أطنب في أوروبا لكونها وطنه، وأوجز في غيرها حيث لم تكن داره ولا سكنه، فبهذا الوصف لا يكون لنا كافيا، ولا لغليل المتطلعين إليه شافيا، وكنت أطلعت على غيره من كتب العلوم الجغرافية، ومارست كثيرا منها، وراعيتها حق رعايتها مدة إقامتي بمملكة الفرنساوية، أردت أن أتم المرام بتخليص ما يناسب المقام، حتى تحصل الموازاة والموازنة، والمعادلة والمقارنة ...» إلى أن قال: «وإن شاء الله يترجم من اللغة العربية إلى اللغة التركية؛ حتى تكون ثمرته عامة جلية، وأسأله تعالى أن يجعله من المؤلفات المطلوبة والمصنفات المرغوبة في سائر مدارس أفندينا الناجحة ... إلخ.»

155

Bog aan la aqoon