Taariikhdii Ilbaxnimada Islaamka (Qeybta Koowaad)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Noocyada
فلما لم يروا سبيلا إليه جعلوا يعذبون الذين أسلموا وصدقوا دعوته والمسلمون صابرون على ذلك العذاب، حتى إذا اشتد أذى قريش لهم وضاقوا ذرعا عن تحمل ما كانوا يسومونهم من سوء العذاب والإهانة، أشار النبي على الذين ليس لهم عشيرة تحميهم أن يخرجوا من مكة إلى أرض الحبشة، فهاجروا إليها تباعا فبلغ عدد المهاجرين 83 رجلا ما عدا النساء والأولاد، وهي الهجرة الأولى، ولا يخفى ما تقتضيه الأسفار من مكة إلى الحبشة من المشقة، لما في ذلك من ركوب البحر وخصوصا في تلك الأزمان مع ما حملوه معهم من النساء والأطفال، فيدل ذلك على ما كان عليه هؤلاء من الاعتقاد المتين بالإسلام.
ويليق بنا الوقوف هنيهة في هذا المقام لإبداء ما ارتسم في مخيلتنا من أمر هذه الدعوة على أثر مطالعتنا الطويلة في تاريخها فنقول:
هل كان يعتقد صدق رسالته؟
زعم بعض الكتاب من غير المسلمين أن صاحب الشريعة الإسلامية إنما قام بهذه الدعوة، طمعا في السيادة ورغبة في ملاذ الدنيا.
وأما نحن فلا نرى مسوغا لهذا القول وتاريخ الدعوة يدل دلالة صريحة على أنه إنما قام بها عن صدق وإخلاص، فلم يدع الناس إلى الإسلام إلا وهو يعتقد اعتقادا متينا بصحة رسالته وأن الله أرسله لبث تلك الدعوة، ولولا هذا الاعتقاد لم يصبر على ما ناله من الاضطهاد وضروب العذاب، وقد رأيت أنه كان قبل ظهوره بالدعوة موضع احترام أهل مكة كافة، وأهله يحبونه ويكرمونه وهو في عيش هنيء، لما اكتسبه من أسباب اليسار بزواجه بخديجة واتجاره بأموالها، فأصبح بعد ظهوره بالدعوة وقد ناصبه أهل مكة العداء وساموه أنواع العذاب وأهانوه، حتى نقموا على بني هاشم، لأنهم أهله فتعاقدوا أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم وكتبوا بذلك صحيفة أودعوها في جوف الكعبة، فاضطر بنو هاشم أن ينفروا إلى الجبال فأقاموا في الشعب ثلاث سنين لا ينزلون مكة إلا خفية - إلا من جاهرة بعداوته للمسلمين كأبي لهب ونحوه.
ولا يعترض على ما تقدم بأنه لم يثبت إلا لاحتمائه بعمه أبي طالب، لأننا رأيناه بعد وفاة عمه أكثر ثباتا منه في حياته، مع أن الناس أصبحوا أكثر اضطهادا له مما كانوا قبل وفاته، وخصوصا بعد وفاة خديجة وقد ماتا قبل الهجرة بثلاث سنين، فتتابعت بموتهما المصائب عليه، واستبدت به قريش ولا سيما عمه أبو لهب والحكم بن العاص وعقبة بن أبي معيط، لأنهم كانوا جيرانه بمنزله، فكانوا يلقون الأقذار في طعامه، ويرمونه بها وقت صلاته.
حتى إذا لم يعد يستطيع صبرا على هذا الضيم لجأ إلى الطائف، لعله يلقى فيها من ينصره ويؤمن بدعوته، فلم يلق إلا الإعراض والأذى، فعاد وقد يئس منهم لكنه لم يرجع عن حرف من دعوته، ولم يكتف أهل الطائف بإعراضهم عنه بل أغروا بعض سفهائهم وعبيدهم أن يسبوه ويصيحوا به ففعلوا حتى اجتمع عليه الناس وألجأوه إلى الحائط وردوا السفهاء عنه فرجعوا، فأحس عندئذ بما هو فيه من ضيق فشكا أمره إلى الله ، وعاد إلى مكة ولم يغير ذلك شيئا من عزيمته، فلقيه قومه هناك وهم أشد وطأة عليه مما كانوا من قبل.
فاعتبر حاله بعد ذلك الرجوع وقد نبذه الناس قريبهم وبعيدهم مع علمه أنه إذا رجع عن دعوته لقي منهم ترحابا وإكراما كما صرحوا له جهارا، ولكنه لم يكترث لشيء من ذلك ولا أهمه أمر الدنيا.
فلولا اعتقاده المتين بصدق الدعوة التي قام بها وأنه منتدب لهذه الرسالة من الله سبحانه وتعالى لما صبر على ذلك كله. (1-4) أهل المدينة والدعوة
ولما يئس من أهله ومواطنيه جعل يعرض نفسه على القبائل في أيام الحج لعله يلقى من يصغي إليه وأهله يعترضونه ويقفون في سبيله، وخصوصا عمه أبو لهب فإنه كان إذا رآه في جماعة يخاطبهم في شأن الإسلام اعترضه وقال للناس «إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلى ما جاء به من البدعة والضلالة فلا تطيعوه»، ولكن ذلك لم يقعده من دعوة الناس وما زال يعرض نفسه عليهم في المواسم، حتى بايعه نفر من أهل يثرب كانوا وسيلة لنشر الإسلام في تلك المدينة في برهة قصيرة.
Bog aan la aqoon