وفي سنة 1869م نشر محمد قدري بك كتابا في تاريخ مصر وجغرافيتها، ثم نشر محمد أمين فكري بك جغرافيته سنة 1879م، فأثبتا حد مصر عن أبي الفداء، والمشهور أن إسماعيل باشا الخديوي الأسبق زار رفح في أوائل ملكه، فرأى عمودين من الغرانيت قائمين تحت سدرة قديمة، ومعروفين أنهما الحد بين مصر وسوريا، فأقر ذلك.
وزار عباس باشا حلمي الثاني خديوي مصر الحالي عمودي رفح سنة 1898، فأمر فنقش على العمود الذي إلى جهة مصر تاريخ زيارته للحدود كما سيجيء. ولما ذهبت إلى الحدود سنة 1906 صرح لي بدو تلك الجهات أنهم منذ نشأتهم يرون هذين العمودين، ويعلمون أنهما الحد بين مصر وسوريا، وأنهم ورثوا هذا العلم عن الآباء والأجداد. ولعل ما أوجب أن تكون رفح الحد بين مصر وسوريا موقعها الطبيعي؛ فهناك يقل المطر، وينتهي الخصب، ويبدأ رمل الجفار الذي يمتد إلى الدلتا.
حد أيلة
وأما أيلة، فقد جاء في كتاب أحسن التقاويم في معرفة الأقاليم، لشمس الدين المقدسي المعروف بالبشاري الذي عاش سنة 375ه/985م: «وفي أيلة تنازع بين الشاميين والمصريين والحجازيين، وإضافتها إلى الشام أصوب؛ لأن رسومهم وأرطالهم شامية.» وحسبها الهمذاني آخر حد مصر من جهة الغرب كما مر. واستولى الصليبيون على أيلة، فخرج صلاح الدين الأيوبي من مصر سنة 665ه/1266م، فاسترجعها منهم، وجعل فيها حامية من رجاله، وما زالت عساكر مصر تحمي أيلة، ثم العقبة خليفتها إلى أن تسلمتها الدولة العلية من مصر سنة 1892م كما سيجيء، وقال أبو الفداء في الكلام عن أيلة: «وهي في زماننا برج وبه وال من مصر»، وذكرها المقريزي الذي عاش في القرن التاسع للهجرة فقال: «وأيلة أول حد الحجاز، وكانت حد مملكة الروم في الزمن الغابر»، وقال صاحب كتاب درر الفرائد المنظمة في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة الذي زار مكة بطريق أيلة سنة 955ه/1548م: «وأيلة آخر حد مصر وأول الحجاز.»
وخلاصة ما تقدم أن التاريخ يدل على أن رفح أو شجرتين في ضواحيها، هي أول حد مصر الشرقي من جهة البحر المتوسط، وأيلة المعروفة الآن بالعقبة كانت تعتبر تارة في الحجاز، وتارة في مصر، ولكنها كانت في أغلب الأحيان تابعة لمصر، أما اللجنة التي ندبت لتعيين الحدود سنة 1906، فقد أبقت على رفح الحد بين مصر وسوريا، ولكنها ألحقت أيلة بالحجاز، وجعلت رأس وادي طابا قرب جزيرة فرعون الحد بين الحجاز وسيناء، كما سيجيء مفصلا.
هذا وطول الخط الفاصل من رأس طابا إلى رفح نحو 150 ميلا، فيكون محيط شبه جزيرة سيناء نحو 630 ميلا كما يأتي:
ميل
130
البحر المتوسط من رفح إلى بور سعيد بطريق الشاطئ
100
Bog aan la aqoon