هوامش
فتح إيطاليا
من سنة 345ق.م إلى سنة 272ق.م
تنقسم هذه الحروب التي استمرت 73 سنة تتخللها بعض سني صلح وسلام إلى سبعة أقسام: الأول من سنة 345 إلى سنة 341، وكانت نتيجته فتح مدينة (كابوه)، والثاني من سنة 340 إلى سنة 338، وفيه تم إخضاع إقليم اللاسبوم موطن قبائل اللاتين، والثالث من سنة 326 إلى سنة 311، وفي خلالها فتح إقليما أبوليا وكمبانيا، والرابع من سنة 311 إلى سنة 303، وفيه أخضعت رومة كل قبائل الهرنيك والأيك، والخامس من سنة 300 إلى سنة 290، وفيه تم إذلال قبائل السمينين واحتلال جميع أقاليم إيطاليا الوسطى، والسادس من 285 إلى 280، وفيه فتحت أقاليم إيطاليا الشمالية ما عدا وادي نهر (بو)، واحتل الرومانيون أراضي قبائل الأتروسك والأمبريين والغاليين النازلين بإيطاليا، والسابع من سنة 280 إلى سنة 272، وهو يشمل حروب بيروس التي انتهت باحتلال الرومانيين لأقاليم إيطاليا الجنوبية المعروفة في التاريخ القديم باسم إغريق الكبرى وفتح مدينة ترنته أهم مدائن اليونان (الإغريق) في إيطاليا.
ولما كان ذكر الحروب بتفاصيلها وحذافيرها لا يفيد المطالع سوى الملال، ولا يورثه إلا الكلال اكتفيت بما ذكرته آنفا من نتيجة هذه الحروب فقط لعدم التطويل خصوصا وأن إغفالها لا يضيع من ثمرة الكتاب شيئا ما، وحيث كان أهم الحروب ما حصل منها أخيرا مع الإغريق بقيادة زعيمهم بيروس ملك إبيروس الذي استدعته من بلاده لشهرته وشجاعته أردت أن أشرحها بالإيضاح الكافي والبيان الشافي، وتفصيل ذلك أن مدينة توريوم الواقعة على البحر بالقرب من مدينة ترنته استعانت بالرومانيين لما هاجمها بعض مجاوريها، ولما طلبت سنة 282 أن تكون تحت حمايتهم لبوا طلبها وأعانوها على رد إغارة أعدائها عنها، وأقاموا فيها حامية من جنودهم لإنجادها عند الحاجة فلم تنظر ترنته إلى هذا الاحتلال بعين الرضى، بل عزمت على انتهاز أول فرصة لطرد الرومانيين من جوارها حفظا لاستقلالها وخوفا من وصول أيديهم إليها.
وبعد ذلك أضافت رومة إلى حامية هذه المدينة أسطولا بحريا مركبا من عشرة مراكب حربية، وفي ذات يوم تجول هذا الأسطول حتى وصل إلى مدخل ميناء ترنته، وكان الأهالي مجتمعين على الساحل في إحدى التياترات، فلما رأوا مراكب الرومان مقبلة ظنوا أنها تريد شن الغارة عليهم، فأسرعوا إلى مراكبهم وخرجوا لمحاربة مراكب الرومانيين فهاجموها بشدة وأغرقوا أربعة منها وأخذوا واحدة وقتلوا من بها، ثم ساقهم الغرور إلى مهاجمة مدينة توريوم وطرد حاميتها الرومانية منها بدون إعلان حرب، فلما وصلت هذه الأخبار المكدرة إلى رومة أرسلت سفيرا التي ترنته يطلب من أهلها رد المراكب المأخوذة وتقديم الترضية اللازمة عن هذا التعدي، فأهانوا السفير وأخرجوه من بلدهم بحالة غير مستحسنة، فلم يسع رومة بعد هذه الإهانات المتكررة إلا إعلان الحرب عليها وتجهيز الجيوش والكتائب لتأديبها والانتقام منها، ولما اقتربت الجيوش الرومانية من ترنته أرسل قائدها إلى أهلها يعرض عليهم الصلح إذا قاموا بالترضية المطلوبة، فمال الأغنياء إلى السلام وعارضهم الشبان والمتطرفون وأبوا إلا الحرب، واستدعوا بيروس من بلاد الإغريق ليرأس جيوشهم فأتى إليهم طمعا في فتح إيطاليا الجنوبية وجعلها مملكة له، واستصحب معه خمسة وعشرين ألف مقاتل وعشرين فيلا، ولما وصل إلى ترنته أمر بقفل التياترات ومحلات الملاهي العمومية وجبر جميع الأهالي على الانخراط في سلك الجندية والتمرن على الأعمال العسكرية، فهاجر كثيرا منهم لحبهم للملاذ وبغضهم للتقشف والتعب، ولتوهمهم أن هذا الأجنبي يدافع عنهم وهم مرتاحو البال منغمسون في الملاهي والمفاسد، فخشي بيروس شر العاقبة وعرض الصلح على الرومانيين فرفضوه بكل إباء وشهامة غير قابلين توسط هذا الأجنبي في شؤون الجزيرة الإيطالية التي كانت رومة تبذل جهدها في نشر لوائها عليها، وعقدوا الخناصر على مكافحة هذا الدخيل وإلزامه العودة لبلاده، ولما لم ير بدا من القتال خرج بمن أتى معه من الجنود والتقى بجيوش الرومانيين بقرب هرقليه وكادت تدور عليه الدائرة لولا أن أزعج الرومانيين منظر الأفيال لعدم رؤيتهم لها من قبل فولوا مدبرين بعد أن قتل منهم نحو خمسة عشر ألفا، وقتل كذلك من جيوش بيروس نحو اثني عشر ألف مقاتل؛ أي نحو نصف جيوشه، ولتحققه من عدم اقتداره على استمرار الحرب بباقي جيوشه طلب الصلح ثانيا من رومة، وأرسل إليها سينياس الشهير بالفصاحة وقوة الحجة، فسافر إليها حاملا هدايا فاخرة لأعضاء السناتو وزوجاتهم فلم تقبل منه الهدايا ولم تفده فصاحته، بل طلب السناتو جلاء بيروس وجنوده عن إيطاليا أولا، ثم ينظر بعد ذلك في أمر الصلح، وكلفوه بالرجوع إلى مرسله بدون إمهال وتبليغه ذلك وإلا تزحف الجيوش الرومانية لطرده.
فعاد سينياس إلى معسكر بيروس مقتنعا بوجوب الجلاء عن هذه البلاد عاجلا لما شاهده من استعداد الرومانيين واتحادهم على قتاله لآخر نقطة من دمهم، لكن لم يصغ بيروس لنصائحه، بل زحف خلسة بقليل من رجاله ومر من بين جيوش الرومانيين قاصدا مدينة رومة نفسها مؤملا الوصول إليها قبل أن يصل الرومانيين خبره فيستعدوا للدفاع عنها، وصار ينهب كل ما يمر عليه في طريقه من القرى والبلدان، لكن لما اقترب من رومة وجد أهلها قد استعدوا للقائه، وكادت الجيوش التي اقتفت أثره تقطع عنه خط رجعته فعاد مسرعا إلى ترنته مكتفيا بما اكتسبه من الغنائم وجمعه من الأسلاب.
وفي ربيع سنة 279 حاصر مدينة تسكولم فأتت الجيوش الرومانية لإنقاذها وحاربت جيوش الأعداء بكل بسالة وإقدام وقتلوا منهم خلقا كثيرا، لكن لم يقووا على الانتصار عليها وإلزامها رفع الحصار عن المدينة لخوف خيولهم من منظر الأفيال، ومع ذلك فكان بيروس هو الخاسر في هذه الواقعة لموت أغلب جنوده التي أتى بها من بلاد اليونان وعدم قيام الأهالي المستنجدين به لمساعدته، فاضطر لرفع الحصار عن تسكولم بدون قتال آخر وعاد إلى ترنته متحيرا في أمره.
وبينما هو على هذا الحال إذ أتاه وفد من اليونان النازلين بجزيرة صقلية يطلبون منه المعاونة والمساعدة على رد إغارة القرطاجيين عنهم، فسافر بكل سرعة لنجدتهم مع من بقي بجيوشه مؤملا النصر بالسهولة على القرطاجيين والعودة لمحاربة رومة بمساعدة يونان صقلية، فنزل بمدينة سيراكوزة وكان القرطاجيون محاصريها ومضايقين عليها الخناق، فحارب المحاصرين وقهرهم ثم تبعهم إلى داخل الجزيرة مقتفيا أثرهم من مدينة لأخرى، وقبل الإجهاز عليهم وطردهم من الجزيرة وقع الخلاف بينه وبين محالفيه المستنجدين به فتركهم وعاد إلى جنوب إيطاليا لتتميم مشروعه الأول وهو امتلاك إقليم ترنته وما جاوره من البلاد، وعند اجتيازه بوغاز مسينه الذي يفصل جزيرة صقلية عن بلاد إيطاليا هاجمته سفن القرطاجيين وأغرقوا بعض سفنه بمن فيها واستولوا على ما كان معه من الأموال والأشياء الثمينة، ولم ينج هو وباقي سفنه إلا بكل مشقة.
ولما عاد إلى ترنته لم يمهله الرومانيون ريثما ينظم ما بقي من جيوشه، بل داهموه بالقرب من مدينة بنفنوتم (Benvenutum)
Bog aan la aqoon