أن يتبين لك القضاء. قال: فما زلت قاضيا، وما شككت في قضاء بعد. ولما أفضى الأمر إلى معاوية بن صخر جرى بجهده على سنن من تقدمه من ملاحظة القضاة؛ وبقي الرسم على حذو ترتبه زمانا. ثم فتر أيام يزيد بن عبد الملك وابنه الوليد إلى أن ظهر بنو العباس؛ فظفروا بالملك، فاشتدوا في شأن القضاء، وتخيروا للأعمال الشرعية صدور العلماء. فدعوا مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وأبا حنيفة للقضاء: فأما مالك، فاحتج بأن قال: إني رجل محدود، ولا يصلح أن يلي القضاء محدود. واحتج ابن أبي ذئب بأن قال: إني قرشي؛ ومن يشرك في النسب، لا ينبغي أن يشرك في الحكم {وقال أبو حنيفة: إني لمولي؛ ولا يصلح أن يلي القضاء مولى. فاحتج كل واحد منهم بما علم الله صدق نيته فيه؛ فعاناهم من محنة القضاء. وفي طبقات قضاة مصر لأبي عمر الكندي: ولي الحارث بن مسكين القضاء من قبل أبي الفضل جعفر المدعو بالمتوكل بن المعتصم. وأتاه كتابه، وهو بالإسكندرية فلما قرأه، امتنع من الولاية؛ فأجبره أصحابه على ذلك، وشرطوا عونهم له. قال بعضهم: رأى أحد أشياخ بمصر كأن ابن أكتم ذبح الحارث. فلم يكن حتى جاءه قضاء مصر، وكان على يد ابن أكتم قاضي القضاة حينئذ. وفي تغريب المسالك.: حكى القاضي يونس قال: ولي جعفر المتوكل الحارث قضاء مصر، بعد أن سجنه على إباية ذلك زمانا. قال محمد بن عبد الوارث: كنا عند الحارث؛ فأتاه علي بن القاسم الكوفي؛ فقال له: رأيت في النوم الناس مجتمعين في المسجد الحرام؛ فقلت: ما اجتماعكم؟ فقالوا: عمر بن الخطاب جاء ليقعد الحارث بن مسكين للقضاء} فرأيته أخذه، وسمر مقعده في الحائط، وانصرف؛ فتبعته، فلما أحس بي، قال: ما تريد؟ قلت: أنظر إليك. قال: اذهب إلى الحارث، واقرأه مني السلام، وقل له يقضي بين الناس بإمارة أنك كنت بالعراق؛ فقمت من الليل ، فعثرت، فنكثت إصبعك، ودعوت بذلك الدعاء، فجئت من الغد. فقال الحارث: صدقت وهذا شيء ما اطلع عليه أحد إلا الله. فسألته عن الدعاء؛ فقال: يا صاحبي عند كل شدة {ويا غياثي عند كل كربة} ويا مؤنسي في كل وحشة {صل على محمد، وعلى آل محمد، واجعل لي من أمري فرجا ومخرجا} ومن القضاة بمصر عيسى بن المنكدر بن محمد بن المنكدر، أيام ابن طاهر. أشار به
Bogga 24