فكتبوا إلى الأمير بلفظه؛ فكتب إليهم أن سلموا أمره وأخرجوه عن أنفسكم {فقالوا له: انصرف} فانطلق عنهم ولم يهيجوه بعد. وقد شدد بعض العلماء على الفار منه، إذا كان ممن توفرت فيه دواعيه. فنقل عن سحنون أنه قال: إذا كان الرجل أهلا لخطة القضاء، فاستعفى منها، عوفى منها إن وجد لها عوض منه؛ وإن لم يوجد، أجبر عليها؛ فإن أبى، سجن؛ فإن أبى، ضرب. قال الشعباني: فإن لم يوجد غير واحد ممن يشكل للقضاء، أجبر عليه بالسجن والضرب. ومن جامع كتاب الاستغناء: وإن كان الداعي له إلى العمل غير عدل، لم يجز لأحد إعانته على أموره، لأنه متعد في فعله؛ فيجب له أن يصبر على المكروه، ويدع العمل معه؛ وإن كان عدلا، جاز بالعمل معه، ويستحب له إعانته. انتهى. والذي يظهر من كلام مالك، الأخذ بالترك، والتحذير من الولاية على كل تقدير، فقد روى عنه ابن وهب في الرجل يدعى للعمل، فيكره أن يجيب إليه، وخاف على دمه، وجلد ظهره، وهدم داره. كيف ترى في ذلك؟ فقال: أما هدم داره وجلد ظهره وسجنه، فإنه يصبر على ذلك، ويترك العمل خير له، وأما أن يباح دمه ولا أدري ما حد ذلك، ولعله في سعة من ذلك إن عمل. وقال الأبهري: إن دعي إلى العمل، فأبى، وخشي ضرب ظهره أو على دمه أو سجنه، فأما الضرب والسجن، فإن صبر، فهو أفضل؛ وأما دمه، فإن عمل، فعله في سعة أن يجري العدل والإنصاف؛ وإن لم يمكنه، لم يجز له أن يتعدى الحق، ويصبر على ما يلحقه من المكروه، إذ لا يجوز له أن يبطل حق المسلمين وحريمهم لنفسه. ومن كتاب ابن حارث. لما توفي يحيى بن معن، بقي الناس بلا قاض نحوا من ستة أشهر، روى فيها الأمير عبد الرحمن في الإيتاء للقضاء. فقلق الناس لذلك؛ فقال: والله {ما يمنعني من التعجيل إلا النظر لهم} فإني لا أجد رجلا أرضاه، غير واحد، وهو لا يجيبني! فقال له أحد جلسائه: فإذا أرضيته للقضاء، وأباه، فإلزمه أن يدلك على سواه. فأحضر يحيى بن يحيى وألزمه أن يشير عليه، إذ لم يجبه. فامتنع من الوجهين معا، الولاية والدلالة، وقال: قد صدقت عن نفسي لمعرفتي بها؛ ولن
Bogga 14